الشائع بين كبار الممثلين ونقاد الدراما هو أن التمثيل المسرحي يصقل موهبة الممثل على غير ما تصقله الكاميرا. ولوقت طويل، اعتقد كثيرون أن الممثل المسرحي، لهذا السبب أو لغيره أفضل موهبة من الممثل السينمائي. لكن ذلك ليس شرطاً، وإن كان ما يتمتع به الممثل المسرحي عن سواه هو حسن إدراكه للتوقيت والجهد الكبير الذي عليه القيام به أمام الجمهور مباشرة، ما يصقل تلك الموهبة عند حضورها أمام الامتحان الصعب. الممثل راف فاينس أحد الممثلين الذين خبروا المسرح والسينما وفازوا بثقة روادهما معاً. وهو جاء أساساً من عائلة تعشق الفن والثقافة، فوالده جوزيف كان مصوّراً فوتوغرافياً، ووالدته جنيفر آن ماري، كانت روائية، وشقيقته مارثا مخرجة أفلام، وشقيقه ماغنوس، موسيقار، وشقيقته الأخرى صوفي منتجة، أما هو فممثل ومخرج. وُلد فاينس عام 1962 في سوفولك في إنجلترا وبعد دراسته للدراما انضم إلى فرقة شكسبير الملكية كما ظهر على خشبات مسارح لندنية أخرى عديدة. وعلى عكس المنتشر من القول، لم تكن بداية فاينس السينمائية في فيلم ستيفن سبيلبرغ المعروف لائحة شيندلر سنة 1994، إذ كان قبل عامين من هذا الفيلم نال مديح النقاد لاعباً شخصية هيثكليف في نسخة 1992 من مرتفعات وذرينغ. لكن الصحيح قوله هو، إنه انطلق من دور الضابط النازي في فيلم سبيلبرغ وخاض من بعد نحو 60 دوراً بارعاً في 60 فيلماً بعضها من أفضل ما خرج في السنوات ال25 الأخيرة، ومنها المريض الإنجليزي (1996) واللص الطيّب (2002) والحدائقي الدؤوب (2005) والقارئ (2008). ومؤخراً شاهدناه في سبكتر، فيلم جيمس بوند الجديد، وقريباً نراه في مرحى، يا قيصر الذي سيفتتح مهرجان برلين هذه السنة. وهو أخرج فيلمين حتى الآن أولهما كوريالانوس عن رواية وليام شكسبير والثاني المرأة الخفية عن تشارلز ديكنز، إلى جانب سلسلة أفلام هاري بوتر، الذي لعب خلالها دور الساحر الشرير لورد فولدمورت. خلال حوارنا معه، يستعرض فاينس أهم محطات حياته، كممثل ومخرج، كما يتحدث عن مشاريعه الفنية المقبلة. كنت أنتظر اللقاء بك لأنك أفضل من يستطيع الجواب عن السؤال التالي: هل الممثل المسرحي يتميز عن الممثل السينمائي بحسنات تجعله متفوقاً؟ - التمثيل للمسرح لا يجب أن يختلف عن التمثيل للسينما. من يملك موهبة التمثيل يستطيع أن يمثل جيداً أمام الكاميرا وعلى المسرح من دون مشكلات، ونحن نرى اليوم كثيراً من الممثلين السينمائيين الذين يظهرون على المسرح بجدارة. والمشكلة هي بالنسبة إلى بعض الممثلين الذين ربما يخافون المسرح أو يخافون الكاميرا لأنها تكشفهم عن قرب. أقول ذلك وفي بالي أيضاً أن الممثل الذي درس المسرح يعرف الدراما غالباً أكثر من الممثل السينمائي الصرف، فهذا جزء من تدريبه، وإذا تخلف عن إظهار هذه الدراية حين يمثل للسينما فإن السبب في ذلك يعود، في رأيي، إلى صانعي الفيلم أيضاً، أقصد الكاتب والمخرج والإنتاج. كممثل ومخرج بخبرة شكسبيرية، هل تصر على أن تأخذ هذه الخبرة معك في كل فيلم تمثل فيه حتى ولو كان سبكتر؟ - أصر على أن آخذ معي حصانتي الفنية. موهبتي التي لا أستغني عنها مطلقاً في أي فيلم مهما كان نوعه، وحين أمثل أستعين بكل مفرداتي التي أعرفها. كل السلوكيات التي هضمتها والتفاصيل الكثيرة التي تؤلّف التجربة الكبيرة لكل ممثل. إلى حد كبير هذا ما على الممثل الاهتمام به بصرف النظر عن الدور. إذا قلت لي أن هذا ليس هم كل ممثل، أقول لك هذا صحيح فالمسألة تختلف من ممثل لآخر. حين أخرجت المرأة الخفية قبل عامين هل كان دافعك تحويل رواية لتشارلز ديكنز أو أنك أعجبت بالرواية أساساً؟ - كلاهما. لا فرق في الواقع. تشارلز ديكنز من أهم كتاب الرواية في العالم، وهو لم يصل إلى هذه المكانة بالصدفة، بل لأن رواياته مهمّة وتستحق التحوّل إلى السينما مرّة تلو المرّة. قبل هذا الفيلم مثلت توقعات عظيمة لديكنز وهذا بعد أن مثلت دوري الأول في سلسلة بوند في سكايفول. أيهمك هذا التنويع؟ - كثيراً، فهو يبقيني على الحافة بين تجارب متعددة. ما ذلك الشيء الخاص الذي دفعك لتقديم المرأة الخفية تحديداً كمخرج وكممثل؟ - أردت سرد الحكاية وأردت أكثر أن أقدم شخصية المرأة نيلي ترنان، وحين قرأت سيناريو آبي مورغن، أعجبني أنه ركّز على تلك المرأة جيّداً وتأثرت عميقاً بالفكرة التي وردت في السيناريو، التي تتناول كيف أن امرأة معيّنة قررت ألا تغلق النافذة على الماضي لمجرد أن العلاقة انتهت. وجدت ذلك مؤثراً جداً. قيل إنك ترددت قبل إخراج الفيلم، هل هذا صحيح؟ - نعم، والسبب هو أن الجمع بين التمثيل والإخراج عمل صعب جداً وأدركت ذلك عندما أخرجت قبل هذا الفيلم كوريولانوس. كنت أريد آنذاك اختبار نفسي مخرجاً. وحين استلمت سيناريو المرأة الخفية أحببت الرواية ولو أني وجدتها غزيرة الأحداث. كذلك وجدت أن شخصية تشارلز ديكنز جذابة لي وإني أريد أن أمثلها رغم قناعتي بأن الجمع بين التمثيل والإخراج سيكون صعباً. حاولت أن أقاوم وأن أكتفي بالإخراج، لكن كلما كنت أبحث في حياة ديكنز ومع المزيد من الإمعان والكتابة وجدت نفسي منجذباً صوبه، وفي النهاية مثلته، ووقعت في حب الشخصية. سأنتقل إلى أفلام أخرى لك لأن الملاحظ أنك تبدي الكثير من العناية عند تمثيل شخصياتك المختلفة. خذ مثلاً غراند بودابست هوتيل، هذا رالف فاينس كما نعرفه لكنه جديد أيضاً. - أشكرك. هذا الدور كان مكتوباً بعناية في الأساس. قبل 3 أعوام اتصل بي المخرج وس أندرسون، وسألني إذا كان لديّ مانع في أن أمثل دور مستر غوستاف في فيلم من إخراجه، قلت له أنا مستعد جداً. فأنا شاهدت كل أفلامه ومن المعجبين بأعماله، لكن السؤال الكبير هو إذا ما كان عندي الوقت لذلك. وحين استلمت السيناريو أدركت أن عليّ أن أجد هذا الوقت. وأنا سعيد بالفيلم، بالطريقة التي يرى فيها أندرسون العالم. إنه فيلم رائع بالنسبة إلي. وبالنسبة لي أيضاً، ماذا عن فيلمك المقبل مرحى يا قيصر؟ - أسمح لنفسي أن أعتبر أنني محظوظ عندما يصل الأمر إلى ترشيحي لأدوار في أفلام مخرجين من أمثال أندرسن أو الأخوين كوون، مخرجا مرحى يا قيصر، أو ستيفن سبيلبرغ. هذه هي الفرصة المثالية لكي يضع الممثل أفضل ما عنده. لكنك لم تبخل على نفسك أيضاً. فيلمك المأخوذ عن مسرحية وليام شكسبير كوريالانوس خير دليل. لماذا اخترت تلك المسرحية دون سواها؟ - لأنها من بين أقل المسرحيات التي كتبها شكسبير انتقالاً إلى السينما. طبعاً لكل مخرج رؤيته لأي عمل شكسبيري، وكان يمكن أن أستلهم هاملت أو ماكبث أو الليلة الثانية عشر، لكن كوريالانوس كانت من تلك التي لم تستثمرها السينما كثيراً. إلى جانب ذلك، ليست كل مسرحيات شكسبير يمكن لها أن تنحني للزمن. أقصد أن هناك صعوبة في تحديث ماكبث لكي تقع أحداثها في هذا العصر الذي نعيش فيه. لا أقول أن هذا مستحيل. لكنه صعب بينما مكنتني كوريالانوس من الانتقال بين عصرها وعصر لاحق وتضمينها وجهة نظر سياسية، لا بد أنك لاحظت. بالتأكيد. هل كان سهلاً عليك أن تجد المعالجة الصحيحة لمثل هذا الانتقال بين الماضي البعيد والعصر الحالي؟ - هذا من أكبر التحديات التي يواجهها الممثل. من ناحية عليه أن يتقمص تلك الشخصية القديمة التاريخية صعبة التكوين، ومن ناحية أخرى عليه أن يقرر كيفية هذا التقمص، وكيف سيتحرك، ماذا تعني الشخصية لشكسبير وكيف يمكن المحافظة على هذا المعنى. حين تصنع فيلماً تاريخياً عليك أن تقرر إلى أي مدى تريد أن تتوغل في الواقع وأن تكون أميناً للتفاصيل. بعض المخرجين يقوم بالتصرّف بحرية أكبر حيال الأعمال التاريخية. لكن بالنسبة إلي كان من المهمّ عندي الالتصاق بالسلوكيات التي كانت سائدة. هل ستعود للإخراج قريباً؟ - ربما في عام 2017. فأنا مهتم بسيناريو عن الحب والخديعة في القرن الثامن عشر في الهند.