«أنا ابن القدس ومن هون، مش متزحزح قاعد فيها». مطلع أغنية باتت من أشهر الأغنيات في فلسطين، حتى فاقت شهرتها شهرة مغنيها الفنان كفاح الزريقي الذي لا يعرف كثيرون، أنه من بلدة كفركنا قرب الناصرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948، وأن بداية حكايته الفنية كانت مع فرقة «الاعتصام» عام 1986 قبل أن يفضل العمل الفردي. وجد الزريقي نفسه موهوباً في «طابور الصباح المدرسي»، كما يقول لـ «الحياة»، وأن المعلمين كانوا يلمسون في صوته شيئاً مميزاً. ويضيف: «ربما هذا نابع من طبيعة الأغنيات التي كنت أستمع إليها منذ كنت في الخامسة، ومنها لمحمد عبد الوهاب، والفنان الشعبي أبو عرب الذي اشتهر بأغنياته الوطنية وأغنيات المقاومة الفلسطينية لفرقة العاشقين»، مشدداً على الدور الكبير والتأثير الطاغي للشيخ المقرئ عبد الباسط، خصوصاً أن الزريقي بدأ منشداً في فرقة «أشبال الاعتصام» التي أُسست في كفركنا. ويتذكر الزريقي: «كنا نغني في الأعراس، وفي المناسبات الدينية والمناسبات الوطنية، ومن هنا كانت انطلاقتي». ويشدد على أن في حياة كل فنان محطات، ولكل محطة سماتها وميزاتها التي تختلف عن الأخرى، فقد «بدأت بالإنشاد ذي الطابع الديني والروحاني، وقليل من الأغنيات الوطنية، وفي مراحل لاحقة اتجهت نحو الغناء الكلاسيكي متأثراً بعبد الوهاب، ومن ثم نحو الأغنية الوطنية أو الطابع الفلسطيني في الغناء متأثراً بالفنان أبو عرب وفرقة العاشقين». واشتهر الزريقي في انتفاضة الأقصى العام 2000، حين أطلق أغنيته «يا أقصى ما إنت وحيد سيّجناك بقلوبنا»، والتي يرى فيها نقلة نوعية لم تعرّف الجمهور الفلسطيني عليه فحسب، بل الجمهور العربي أيضاً، فباتت متداولة لدى العديد من الشعوب العربية وحتى في دول إسلامية، كونها تتعلق بالمسجد الأقصى. وكما هي حال «أنا ابن القدس»، قــــة مــن يعـــــرفون أن الزريقي هو صاحب الأغنية الشهــــيرة «هـــــو في مثله الــــوطن يابا»، وقبلهـــا «غزة ع أمواج البحر» في العامين 2006 و2007، والآن «أنا ابن القدس ومن هون». ويواجه الزريقي صعوبات تحول دون مشاركته في العديد من المهرجانات العربية، بسبب جواز سفره الذي يحمله كل من صمد من الفلسطينيين في أرضهم ورفضوا الهجرة والتهجير العام 1948، فاقتصرت مشاركاته على مهرجانات في تونس والأردن على المستوى العربي، على رغم دول أخرى، لكن حضوره الأبرز كان في الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية. وكانت آخر جولات الزريقي الخارجية، قبل أسابيع، في مهرجان فني فلسطيني بشيكاغو وقبلها في إرلندا وفرنسا. وكما اعتبرها الجمهور علامة فارقة، يعتبر الزريقي أغنية «أنا ابن القدس ومن هون» نقلة في مشواره الفني، ويقول: «تحدثني الكلمات من خلال النص، ومن خلال اللحن بعد ذلك، فأفكر كيف ابثها للناس. فأغنية مثل «ابن القدس» لا يمكن أن أقدمها بقالب رومنسي أو كلاسيكي على سبيل المثال، لأن كلمات التحدي في مطلعها «أنا ابن القدس ومن هون مش متزحزح قاعد فيها»، وعلى مدار مقاطع الأغنية، لا يمكن إلا أن تترافق وموسيقى حماسية، وكذلك نبرة الصوت». ويخطــط الزريقي لإصدار أغنية جديدة قريباً عن قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، هو الذي لطالما غنى للأسرى، آملاً بأن تترك صدى لدى الجمهور كحال «ابن القدس»، وقبلها «هو في مثله الوطن يابا»، بحيث يبقى في الواجهة، ويقدم ما يليق بمحبيه، وقبل ذلك بوطنه وقضيته.