لم تُعد بعض الدول الخليجية قادرة على تجنب تداعيات تراجع اسعار النفط على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والتنموية، والسبب غياب الاقتصاد المنتج، والممارسات السياسية التي تعبر عن مصالح الدولة الوطنية الديمقراطية، ومطامح القوى العاملة والفئات الاجتماعية الفقيرة والوعى الرافض لكل اشكال التخلف، وعلى الرغم من تباين تداعيات الازمة الاقتصادية الناشئة عن ذلك التراجع بين دولة خليجية واخرى، فان معظم التدابير التي اتخذتها هذه الدول، ودول آخرى نفطية وغير نفطية ربما لا تستطيع او الا صح غير قادرة على سد عجزها المالي في ميزانياتها العامة وبالتالي فالحل هل يكمن في رفع الدعم عن السلع الغذائية والخدمات، وفرض الرسوم والضرائب بغية التصدي لكل هذه الآثار السلبية التي نعتقد انها لم تكن مفاجئة لانظن لان التدابير المطلوبة ايضاً ليست بمعزل عن الحد من الانفاق الحكومي، والحفاظ على المال العام من الهدر، ومكافحة الفساد المالي والاداري، والتصدي للبيروقراطية وكل المستفيدين منها، والمضى في المشروع الاصلاحي الذي يربط التنمية بالعدالة والتقدم الاجتماعي، وتكافؤ الفرص، ومحاربة الطائفية والتمييز وخطاب الكراهية، والتشدد الديني، ويربط التطور السياسي باتساع الحريات والحقوق والقيام بالواجبات. في تلك المجتمعات عَبَر الاقتصاد الريعي كمصدر اساس في دخلها القومى عن فشل الكثير من السياسات الاقتصادية لاعتبار انه اقتصاد غير منتج، يعود الى مجتمع يغلب عليه الطابع الاستهلاكي، شديد التأثر بالمتغيرات الداخلية و الخارجية. ومن اسباب ذلك الفشل ايضاً غياب سياسة تعدد مصادر الدخل، وعدم الاستفادة من الفائض المالي ابان الطفرة المالية جراء ارتفاع اسعار النفط. والى جانب ذلك ثمة اسباب قادت وتقود الى ازمات اقتصادية وكوارث مالية لها علاقة بالسياسة والحروب ووفرة المعروض من النفط لاهداف سياسية! وللتخفيف من حدة تلك الازمات والكوارث او بالاحرى للتعايش مع الواقع الصعب الذي لم تعانِ منه بلادنا ودول الخليج الاخرى بل ابعاده السلبية واضحة على الاقليمي والدولي، تتقضي الخيارات الوطنية والقرارات الواضحة والشفافية والوحدة الوطنية والتخطيط الاقتصادي السليم. ولعل ما يجدر الاشارة اليه هنا تجربة دولة الامارات يقول حاكم دبي محمد بن راشد في تغريدة له اطلقها على حسابه في موقع تويتر نقلتها وكالة ابناء الامارات قررنا عقد خلوة وزارية موسعة خلال الاسابيع المقبلة بحضور الحكومات المحلية وخبراء الاقتصاد لمناقشة اقتصاد ما بعد النفط واضاف اليوم 70 في المئة من اقتصادنا الوطني لا يعتمد على النفط، هدفنا تحقيق معادلة جديدة لاقتصادنا لا يعتمد فيها على النفط او مرتهناً لتقلبات السوق كل ذلك يضعنا امام سؤال جوهري وهو كيف ندير ازماتنا في الظروف الصعبة والمعقدة؟ نطرح هذا السؤال لان اسعار النفط تتجه نحو الهبوط اكثر فاكثر او بمعدلات متسارعة قد تبلغ كما يرى بعض الاقتصاديين اقل من عشرين دولارا، نطرح هذا السؤال في ظروف تنتظر القرارات الصعبة التي لا تمس حقوق ومكتسبات المواطن الذي لا حول له ولا قوة وهو في اشد الحاجة الى انجازات برلمانية لا الى جعجة بلا طحن! الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها لم تأتِ من فراغ بل نتيجة لتراكمات يستحيل فصلها عن الممارسات السياسية الطبقية وسطوة رأس المال والمنتفعين من تلك الممارسات، وعوامل خارجية اشرنا اليها سلفاً! في هذه الاوضاع ليس هناك ما يبرر ان تتخذ الحكومة قرارات منفردة دون التشاور مع مجلس النواب لان المسؤولية هنا جماعية، لا ندري ما الذي تخشاه الحكومة عندما انفردت بقرار زيادة اسعار البنزين، في حين كان المجلس الوطني بغرفتيه متعاوناً معها حول الكثير من المشاريع مثل برنامج الحكومة، والميزانية العامة للدولة وغيرها. وعندما تتحدث عن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فان هذا التعاون مثلما هو مطلوب من الحكومة مطلوب ايضاً من النواب الذين اصبحوا كما يعلق بعض الظرفاء انهم (خارج التغطية) المعنى اننا لا نقلل من احترام اصحاب السعادة، ولا بالانجازات اليسيرة التي تحققت، ولكن الفجوة الكبيرة التي يعاني منها المجلس تكمن في الاداء النيابي! فاذا كان جوهر اختصاص مجلس النواب التشريع والرقابة السياسية على اعمال الحكومة، ومناقشة التقاير المالية، مثل تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية، وتقديم الاستجوابات والاسئلة وتشكيل لجان التحقيق، فان هذا الدور او هذا الاختصاص لا نملك ان نقول عنه انه لا يستطيع ان يحرك ساكناً، لماذا؟ الجواب، العلة ليست في البرلمان كمؤسسة منتخبة تعبر عن الارادة الشعبية وعن الحقوق السياسية المكفولة دستورياً، بل في اللائحة الداخلية للمجلس، وفي الاداء النيابي الذي قلنا عنه جعجة بلا طحن، ومثالنا هنا الاستجوابات، التي نسمع عنها مثلما نسمع عن بيض الصعو اي الى الآن لم يشهد بيت الشعب استجواباً واحداً بل شهد تهديدات وخطبا رنانة لا اول لها ولا آخر، وكذلك العلة في تهميش الحكومة للنواب، ويدلل النواب على ذلك انفراد الحكومة بقرار رفع اسعار البنزين، وهو ما حدا بهم الى الاحتجاج على هذا التهميش. إن انهيار اسعار النفط يتطلب قرارات سليمة، لا ردود افعال سريعة، ولذلك من المهم جداً ان نستحضر آراءً اقتصادية تقول انه في الاعوام العشرة المقبلة ستتعرض الدول النفطية لمزيد من المشاكل الاقتصادية اذا لم توسع استثماراتها.