مجموعة من الشباب يقفون بسياراتهم وسط شارع رئيس، وكأنهم امتلكوه ولا يهتمون بأي أحد سواهم، ولا يجدون في أنفسهم أي حرج من هذا السلوك، وآخرون يفتحون أبواب سياراتهم وأصوات الموسيقى تصدح بأعلى درجة، لا يعيرون لأحد أي قيمة، وآخرون، وآخرون، صور عديدة وحالات نشاز تتسع دوائرها كل يوم وفي كل زاوية وركن من مدننا وشوارعنا وأزقتنا، وإذا سألت عن السبب قيل لك: قلة أدب، وإذا فتشت عن العلة والسبب قيل لك: قلة أدب!! في الوقت الذي تغيّر مسمّى وزارة المعارف العتيقة إلى وزارة التربية والتعليم، بدأت كثير من المتغيرات السلبية تترسخ في تربة مجتمعنا «المحافظ» دون أن تجد ما يناسبها من الإجراءات، وإن الحال يقول عن تغيير المسمّى لا يعني تغيير المفاهيم، أو تحسين السلوك والارتقاء بنمط الحياة نحو الإيجابية الخلقية، بل حتى الادّعاء بأن التربية قبل التعليم لم يجد له مساحة كافية على أرض الواقع، فما هو مشاهد وملموس ومسموع هو تنامي السلوكيات السلبية بين زوايا المجتمع وطبقاته وأفراده -إلا من رحم الله- ورغم تخصيص بعض المقررات المدرسية والبرامج الإثرائية على مستوى مؤسسات التعليم العام والجامعي إلاّ أنها ضعيفة الأثر حتى اللحظة، ليس لأنها ضعيفة أو فاشلة، ولكن لأنها لا تنغمس في توجهات عامة الناشئة والشباب، ولا تخاطبهم باللغة التي يفهمونها ويتعاملون بها فيما بينهم! والأهم من كل ذلك أن الشباب والناشئة يفتقدون المربي والقدوة الذي يملأ أعينهم، ويهيمن على قلوبهم، ومن المؤلم أن الجميع يحاول رمي الكرة بعيدًا عن ملعبه، فالبيت يتنصل من مسؤولية التربية، والمدرسة تشكو من عدم تعاون البيت معها، والمجتمع يلقي باللائمة على المدرسة، ويقف الجميع مكتوفي الأيدي ينتظرون من يعلق الجرس، صحيح أنه توجد بيوت عديدة لا تزال تظهر بصمتها الإيجابية على شخصية أبنائها وبناتها ولكنها نسبة لا تمثل الأكثرية، ومن المؤلم جدًا أن يكون بعض الآباء قدوة سيئة جدًا لأبنائهم وأهليهم، وآخرون ليس لديهم وقت لمجالسة أهليهم عامة وذريتهم خاصة بحجة العمل وكسب لقمة العيش، ولكن نسبة ظاهرة من الآباء يقتلون أوقاتهم كل ليلة في المقاهي ومع الأصحاب، فضلًا عن منهم من لا يعود إلى البيت إلاّ فجرًا! جلس أحد الآباء إلى ابنه الشاب الجامعي ينصت إليه أكثر من ثلاث ساعات الذي كان يحاول إفراغ شحنة الجراح المكتوية بها ضلوعه، فقد طرح بين يدي والده المشكلة التي يعاني هو وأصحابه منها، حيث لا تتوفر لهم أماكن مناسبة يقضون فيها أوقات فراغهم، وعندما أشار عليه أبوه ببعض الأماكن العامة ومراكز أنواع النشاط التي تم توفيرها لهم، قال له الابن: هذه حلول كانت تناسب زمانكم، وهي بالنسبة لنا لا تعنينا في قليل أو كثير، كما أنها تضع اشتراطات تحرمنا منها، ناهيك أن كثيرًا من الأماكن تضيق بمن فيها كالأندية الرياضية! هذه الصورة الحقيقية التي سمعتها من الأب تؤكد لنا أن المجتمع برمته يتحمل المسؤولية كاملة في عدم التعامل المناسب مع الناشئة والشباب، وتركهم يتيهون في دياجير الضياع، بل قد يقعون فريسة للمتربصين بهم دينيًّا وفكريًّا وسلوكيًّا، فهل جاء الوقت الذي تستيقظ فيه همم المسؤولين في الجهات الحكومية كوزارة التربية، ورعاية الشباب، والجامعات، ومن ثم بقية مؤسسات المجتمع وأفراده، ليتحمل كل منهم مسؤوليته بجدية كافية واهتمام حقيقي، وذلك بوضع خطط حقيقية وبرامج ومشروعات تخدم أغلى ثروة في المجتمع وهم الناشئة والشباب. sirafat@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain