مع نهاية كل عام يبادر الكتاب والجمعيات ومراكز الدراسات إلى إقامة جردة حساب مع تطورات العام السابق والتوقعات خلال العام الجديد. وقد تزاحم أكثر من عنوان داخلي وخارجي في تركيا لتصدر القائمة. لكن العنوان الأكثر استقطاباً وانسجاماً مع الحقائق والأكثر إثارة لانتباه الرأي العام الخارجي والغربي تحديداً كان مسألة الحريات ولا سيما الإعلامية منها. في هذا الصدد كان عام 2015 حافلاً بالأحداث ويضيف على سجل تركيا القاتم ظللاً إضافية. وكانت مناسبة يوم الصحفيين العاملين العالمي فرصة مثلاً لنقابة الصحفيين الأتراك وغيرها للحديث عن واقع الحريات الصحفية في تركيا. وفي بعض المعطيات إن موقع تركيا بالنسبة للحريات الصحفية في العالم هو في المرتبة ال 149 أي إن هناك 148 دولة في العالم أفضل من تركيا لجهة الحريات الصحفية. وهناك ألف ومئتا صحفي عاطلون عن العمل بين مطرود وممنوع، نتيجة للضغوط السياسية. وهناك 137 صحفياً تعرضوا للعنف أثناء ممارستهم لعملهم. ويحاكم 234 صحفياً بتهم مختلفة من بينها بل على رأسها دعم الإرهاب أو تحقير رئيس الجمهورية. فيما يرمى في السجن 31 صحفياً أوردت النقابة أسماءهم والمؤسسة التي ينتمون إليها في دحض لاتهامات الحكومة لهم أنهم إرهابيون وليسوا صحفيين. ويوجد أكثر من مئة صحفي منهم ثمانية يعملون في مؤسسات إعلامية دولية معتقلين وقيد التحقيق. وأغلقت السلطات التركية في عام 2015 فقط 15 محطة تلفزيونية وعملت على مصادرة ووضع اليد على صحيفتين يوميتين. ووضع الفيتو على مشاركة صحفيين محددين ووسائل إعلامية معينة في 56 مناسبة. كما عملت السلطة على منع نشر أكثر من 128 مادة إخبارية. والحادثة الأكثر لفتاً للنظر أن الحكومة عملت على حجب أكثر من 877 موقعاً على الإنترنت خلال العام 2015. ويرى رئيس نقابة الصحفيين الأتراك أن يوم العاشر من يناير/كانون الثاني ليس يوم الصحفيين العاملين بل يجب أن يكون يوم الصحفيين العاطلين عن العمل والممنوعين منه. وبالتالي فإنه لا يمكن الحديث عن عيد للصحفيين في ظل الضغوط السياسية وتقييد حرية العمل الصحفي. وأعربت جمعية الصحفيين الأتراك، وهي غير نقابة الصحفيين، عن قلقها من مستقبل الحريات الصحفية في عام 2016. وقالت إن العقبة الأكبر أمام الصحفيين هي الدعاوى المقامة ضدهم والتهديد بسجنهم. ونتيجة للحملة الكبيرة على الوسائل الإعلامية المعارضة ومصادرة البعض منها فإن نسبة العاطلين عن العمل في القطاع الإعلامي في تركيا أعلى بثلاث مرات من نسبة العاطلين في القطاعات الأخرى. وذكرت الجمعية أن عدد الذين اضطروا لترك عملهم عام 2015 نحو الخمسمئة صحفي فيما تعرض سبعون صحفياً للاعتداء. وفي الواقع إن تصاعد الضغوط السياسية على الحريات العامة والسياسية ومنها الحريات الصحفية ارتبطت في السنتين الأخيرتين بهدفين أساسيين، الأول هو مواجهة الفضائح التي ظهرت وأهمها قضايا الفساد والتعمية على خفايا سياسات خارجية. ولا شك أن فضيحة الفساد التي ظهرت في خريف 2013 كانت نقطة تحول في ازدياد الضغوط. وبات كل من يتهم الوزراء ومسؤولين وقيادات في حزب العدالة والتنمية متهم بالتآمر على أمن الدولة وعميل لدول خارجية ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. أما الهدف الثاني من القمع الصحفي فهو إرهاب كل معارض لرغبة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي وما يعنيه ذلك من الاستئثار بالسلطة وتحويلها إلى ملك عضود على غرار الخلفاء والسلاطين العثمانيين والسلاجقة. وفي مواقف ذات دلالات فإن أردوغان يعتمد سياسات كان ديكتاتوريون سابقون يعتمدونها لتسخير الإعلام واحتكاره وإطلاق دعايات كاذبة مفتوحة لغسل دماغ الرأي العام. وليس غريباً أو مستهجناً أن يدافع أردوغان عن فكرة إقامة نظام رئاسي في تركيا بالاستشهاد مؤخراً بما كان قائماً من نظام رئاسي في عهد هتلر في ألمانيا. وأثار هذا الموقف موجة من السخرية في الغرب وتركيا وحتى في بعض الدول العربية. والمعادلة قائمة: كلما زادت نسبة الحرية تقلصت نسبة الديكتاتورية وكلما تراجعت الحريات، وهذه هي حال تركيا، ازدادت نسبة الاستئثار.