شهر واحد فرق بين فرحته بزفاف ابنته الوحيدة، وحزنه عليها وهو يودعها لمثواها الأخير. لم يصدق نفسه هل ابنته التي تحفظ القرآن يمكن أن تنتحر؟ إنه لم يجبرها على الزواج، فقد وافقت على زوجها بإرادتها بل كادت أن تطير من الفرحة يوم زفافها، لكن بعد شهر واحد من زفافها وصله الخبر المشؤوم بأنها انتحرت وتم نقلها للمستشفى وهي تصارع الموت بعد إصاباتها بحروق بالغة.أسرع إليها ليراها ولو مرة واحدة فهي قرة العين وابتسامة الحياة والأمل في المستقبل، لكن الأطباء أكدوا له أنها في غيبوبة فأمضى ثلاث ليال كاملة أمام حجرتها على أمل أن يراها، وبالفعل شعر بأن روحه قد ردت إليه عندما أبلغه الطبيب المعالج بأن ابنته قد أفاقت وطلبت التحدث إليه.أسرع إليها لكنه لم يمض معها سوى لحظات قليلة ثم خرج مشوش الذهن فقد هذت ابنته بكلمات قليلة ثم عادت لغيبوبتها مرة ثانية. أخبرته بأن زوجها هو الذي سكب عليها الكيروسين.نظر حوله فلم يجد زوج ابنته في المستشفى وبالسؤال عنه تأكد أنه لم يزرها ولو مرة واحدة. بعد ساعات قليلة فارقت الابنة الحياة تاركة والدها بين أحزانه وحيرته لمعرفة سر وفاتها وهل انتحرت أم قتلت؟ أمل كانت هي الأمل الوحيد الذي عاش والداها في انتظاره لمدة عشر سنوات بعد زواجهما عندما أكد كل الأطباء بأن إنجابهما في حاجة إلى معجزة إلهية، فالعلم يؤكد استحالة إنجابهما لكن الله استجاب لدعائهما وحدثت المعجزة عندما شعرت الزوجة زينب بأعراض الحمل لكنها لم تصدق ما تشعر به واعتقدت أنه بالتأكيد حمل كاذب..أسرعت إلى الطبيب هي وزوجها وكل منهما يتمنى أن تتحقق الأمنية، وكانت فرحة ما بعدها فرحة عندما بشرهما الطبيب بالحمل بعد أن أجرى التحليل عدة مرات حتى لا تكون بشرى مزيفة تزول بعد شهور عندما يتبين أن الحمل كاذب..تسعة شهور مملوءة بالحمد والشكر لله على عطيته وهبته لهما والتوتر خشية أن يفقدا هذا الأمل في أية لحظة، وحصلت زينب على إجازة من دون أجر على الرغم من أنها هي وزوجها كانا في أمس الحاجة لراتبها لما أنفقاه على الأطباء والعلاج والتحاليل من أجل الإنجاب. مرت الشهور التسعة بسلام وجاءت أمل للحياة لتملأ قلبيهما فرحة وتدب السعادة في حياة والديها وعائلتيهما جميعاً وحولت حياتهما إلى واحة من الحب والسعادة وأصبحت هي الأمل الوحيد في الحياة وكانا يتمنيان ألا يحرمهما الله منها أبداً. مضت السنوات سريعاً حتى كبرت وحان موعد التحاقها بالمدرسة فكان والدها يصطحبها بنفسه إلى المدرسة حتى يقضي معها أكبر وقت ممكن، ومضت الأيام سريعاً وتأكد والداها من كثرة شكوى مدرسيها أنها لا ترغب في التعليم ولا تحب المدرسة، فقررا أن تتوقف عن الذهاب إلى المدرسة وتقضي وقتها في المنزل بين أحضان وحنان والديها، ومع ذلك أحضر والدها أحد حافظي القرآن ليساعدها على حفظ القرآن لكن الفتيات يكبرن سريعاً فقد كبرت أمل وأصبحت في سن الزواج وتهافت عليها الخطاب لما تتمتع به من جمال ورقة وخلق رفيع ووقع الاختيار علىحسنين فقد كان شاباً يبدو من خجله أنه من بيت طيب ووعد والديها بأنه سوف يضعها في عينيه، وتمت الموافقة النهائية عندما أعربت أمل نفسها عن شعورها بالراحة تجاهه فتمت الخطوبة وفي غضون شهرين تم الزواج وكان يوم زفافها ليلة من ألف ليلة وليلة حضرها الأهل والأصدقاء ولم تنته إلا مع بزوغ الفجر، وكانت الليلة الأولى التي تفارق فيها أمل والديها، ومع حزنهما لفراقها كانا في غاية السعادة لزواجها، خاصة وأنها كانت سعيدة بزوجها لكنهما لم يعلما أنهما يزفاها لقدرها المحتوم. في الصباح الباكر كان والداها يطرقان باب شقة العروسين ليطمئنا على ابنتهما وكانت تبدو عليها السعادة، لكن في الأسبوع الثاني لزواجها فوجئ والدها بابنته تخبره بأن حياتها مع زوجها مستحيلة فهو يسيء معاملتها ويضربها مرات عدة لأسباب تافهة وتوسلت إليه أن يسرع في تطليقها منه، ومع أن الأب كان مستاء لما يسمعه من ابنته التي يتمنى لها السعادة خشي على مستقبلها وطالبها بأن تتحمل من أجل سمعتها وحتى لا يفسر الناس طلاقها المبكر بعيب فيها، وكان يأمل في أن تتحسن معاملة زوجها لها مع الأيام حتى كانت الصدمة الكبرى التي أطاحت بعقله إلى عالم الجنون، فبعد شهر واحد من زواجها تلقى مكالمة هاتفية بأن ابنته حاولت الانتحار حرقاً، وتم نقلها للمستشفى فأسرع إليها ليجدها شبحاً فقد أحرقت النيران جسدها الممشوق وحولته إلى قطعة من الفحم.. وقتها شعر بالندم على أنه لم ينفذ رغبتها وينقذها من زوجها لكنه لم يكن يعلم بأنها تعيش في عذاب إلى هذه الدرجة، ومضت ثلاثة أيام وهو ينتظر اللحظة التي تفيق فيها ابنته حتى أفاقت لعدة دقائق أخبرته خلالها بالمصيبة الأكبر وهي أن زوجها هو الذي سكب عليها الكيروسين وأشعل بها النيران عندما طلبت منه الطلاق، وصممت على ترك المنزل.. شعر وقتها بأن الأرض تميد تحت قدميه وما هي إلا ساعات حتى أسلمت ابنته روحها لبارئها وبالبحث عن زوجها اكتشف أنه هرب ولم يحضر لزيارتها في المستشفى ولم يشارك في مراسم جنازتها..وقتها تأكد أن زوج ابنته هو الذي قتلها ثم حاول إخفاء جريمته والادعاء بأنها انتحرت فكتم سره في نفسه ولم يفصح عنه لأحد حتى زوجته زينب التي أصابتها المصيبة الكبرى بالشلل فأصبحت غير قادرة على الحركة. تلقت الشرطة بلاغاً من الأهالي بوقوع جريمة قتل بشعة في الشارع وأكد المبلغون أنهم شاهدوا القاتل وهو يطارد المجني عليه ثم يضربه بشومة على رأسه ليطرحه أرضاً ثم يذبحه من رقبته بالسكين ثم مزق جثته أمام المارة وبعدها فر هارباً ولم يتمكن أحد من اللحاق به. انتقل رجال المباحث على الفور إلى موقع الجريمة لتتبين إصابة المجني عليه بجرح قطعي في الرقبة وطعنات عدة في أماكن متفرقة من الجسد وعثر رجال المباحث على بطاقته الشخصية التي تبين منها أنه يدعى حسنين عبد السلام وتم إبلاغ أسرته بالحادث.تم تشكيل فريق بحث لكشف غموض الحادث، وكشفت التحريات أن زوجة المجني عليه توفيت منذ أسبوع متأثرة بحروقها وأن هناك اشتباهاً في أن يكون المجني عليه هو الذي أشعل فيها النيران أو على الأقل دفعها للانتحار وتطابقت أوصاف القاتل من واقع أقوال شهود الجريمة على والد زوجة المجني عليه، فتم القبض عليه ويدعى عبد الرحمن مرسي (سائق) واعترف بجريمته وهو في حالة غير طبيعية، مؤكداً أنه نفذ جريمته بدافع الانتقام والثأر لابنته ولزوجته وأنه أخذ يبحث عن زوج ابنته حتى اكتشف أنه مختف في منزل أحد أصدقائه فتربص له يوم الحادث وعندما شاهده يخرج من منزل صديقه فاجأه وضربه بالشومة على رأسه ثم ذبحه، لكن ذلك لم يشف غليله فأخذ يمزق جسده ولم يتركه إلا وهو جثة هامدة بلا معالم مثلما فعل بابنته.أحيل المتهم إلى النيابة حيث أعاد اعترافاته بجريمته، وقررت النيابة حبسه على ذمة التحقيق بعد أن وجهت له تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.