عملياً لا توجد على أرض الواقع أي جهة أو حزب أو جماعة أو تنظيم سياسي أو ائتلاف للشباب أو حتى للمسنين دعا الشعب المصري للخروج في ثورة يوم الاثنين المقبل في ذكرى مرور خمس سنوات على 25 كانون الثاني (يناير). وحدها جماعة «الإخوان المسلمين» اضطلعت بالأمر وأخذت على عاتقها أن تقوم بالأدوار التي تتمنى لو كانت قوى سياسية أخرى رغبت في أدائها، وعلى رغم مشاكلها الداخلية إلا أن الجماعة ربما اعتبرت أن المناسبة فرصة لتجاوز أزمتها وصراعاتها الداخلية وخلافات زعمائها ورموزها وعناصرها، فتضرب بذلك عصفورين بحجر ثوري واحد تسقط النظام وتنظم نفسها من جديد! ولأن للجماعة حلفاء ومناصرين داعمين خارج مصر سواء دول أو جهات أو شخصيات أو حتى أجهزة ظلت تساندها على مدى السنوات الماضية وتنتظر أي نتيجة من دون أن تحصل عليها حتى الآن، وكذلك بالطبع للتنظيم أعضاء وعناصر وأسر «إخوانية» تجوب الحواري والأزقة بعيداً عن قوى الأمن كل ليلة لتصور مشهد تظاهرة أو تسجل صور بعضهم يرفع علامة «رابعة» أو يهتف لمرسي و»الشرعية»، ولأن الجهات الداعمة في الخارج والمنتمية في الداخل كانت تتلقى وعوداً بأن الثورة آتية لا محال، وأن مرسي سيعود إلى القصر يوم الأحد أو الثلثاء لا فرق، وأن الشعب المصري سيكمل ثورته وأن الانقلاب يترنح والناس على شفا الثورة، فإن الجماعة بجناحيها المتصارعين تراهن على يوم الاثنين ويصدق قادتها أن إلقاء البيانات عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعد أساساً وتوزع من خارج مصر، والحملة التي تتبناها فضائيات موالية للتنظيم لتحريض المصريين على الخروج إلى الشوارع والميادين وكذلك الثقة في تلبية عناصر الجماعة وأسرهم لدعوات الخروج ومحاولة الاحتشاد أمام الكاميرات، ستكون كفيلة بإشعال فتيل الثورة. في سبيل تحقيق الحلم جرى إطلاق مسميات على بعض التجمعات والتشكيلات لعل ذلك يخدع الجهات الداعمة والعناصر المنتمية ويوحي لها بأن هناك من فئات الشعب المصري من ينتظرون ذلك اليوم ويجهزون له ليثوروا! على رغم أن أي متابع لأمور السياسة أو مهتم بالاضطلاع على نشاط «الإخوان» سيجد أن أعضاء هذه التجمعات والتشكيلات هم أنفسهم لا يتغيرون لكنهم وزعوا أنفسهم ما بين «شباب ضد الانقلاب» أو «مجلس ثوري مصري» أو «برلمان شرعي»! يتغافل «الإخوان» عن واقع صادم لهم وحقيقة لا يمكن إخفاؤها تتجاوز مسألة رضا الناس في مصر أو غضبهم من حكم السيسي، فتلك أمور نسبية وتتعلق برضا القوى المعارضة للسيسي أو غضبها من «الإخوان». ويكفي الإشارة هنا إلى أن غالبية الأشخاص المحسوبين على الثورة ورموزها وأعضائها والحركات والائتلافات التي تطلق على نفسها صفة الثورية وعناصر النخب السياسية من مختلف التيارات كلها تحرص على أن تنأى بنفسها عن الوقوع في شرك «الإخوان» وتتفادى أي فعل قد يصب في مصلحة الجماعة وتشدد وهي تجاهر وتهتف معارضة لسياسات السيسي، على أنها تدرك خطر «الإخوان» وترفض عودتهم إلى السلطة، حتى إن بعض الفعاليات يضطر أصحابها إلى إلغائها أو فضها إذا ما حضر «الإخوان»! دعك هنا من موقف البسطاء من فئات الشعب المصري تجاه الجماعة وما عاناه الناس أثناء السنة التي حكم فيها مرسي مصر، وتجاوز أيضاً أخطاء التنظيم أو تحكم مكتب الإرشاد في السلطة أو إدارة البلد من بناية تقع في حي المقطم، وتغاضَ ولو موقتاً عن أخطاء «الإخوان» أثناء الحكم وتحالفهم مع الجماعات الراديكالية أو حتى رد فعلهم على عزلهم عن السلطة والعنف الذي تورط فيه عناصر التنظيم تحت لافتة «الشرعية»، وتذكّر أن هيئة الدفاع عن المتهمين في قضايا «الإخوان» لسنوات طويلة في عهد مبارك كان يترأسها المحاميان اليساري نبيل الهلالي والوفدي الليبرالي أحمد الخواجة ولا تنسَ أن غالبية رؤساء الأحزاب ورموز النخبة السياسية كانوا يخطبون ود مرشد الجماعة قبل أن يحكم التنظيم مصر، وأن المرشحين لعضوية البرلمان في كل انتخابات جرت في عهد مبارك كانوا يتوافدون على مقر الإرشاد، على رغم المضايقات الأمنية، أملاً في أصوات المقترعين من أعضاء الجماعة ومحبيها. تغير الحال وأصبح كل هؤلاء يدفعون عن أنفسهم شبهة التعامل مع الجماعة، وكذلك تلبية أي نداء لها. الفجوة واسعة جداً ليس بين «الإخوان» والحكم فقط وإنما بينهم وبين الناس الذين لدغوا في 25 يناير 2011 وقرروا ألا يلدغوا مرتين.