×
محافظة المنطقة الشرقية

وفاة طالبين في حادث مروري بالباحة

صورة الخبر

لا يعادل المثل الإنجليزي القائل بأن رقصة التانغو تحتاج إلى اثنين، إلا المثل العربي عن اليد الواحدة التي لا تستطيع التصفيق بمفردها. لكن الإنسان يرقص أحياناً مع ظله أو أمام المرايا، وكذلك اليد التي لا تصفق بمفردها إلا إذا صفع بها الإنسان وجهه أو الجدار، أو اكتفى بأن يلوحها في الهواء. ما أعنيه بذلك بعيداً عن الاستطرادات المجازية، هو أن تغيير الواقع لا يتم بالفكر وحده، ولا بد للمثقف من توأم يترجم أحلامه ميدانياً إلى واقع. لكن ما يحدث الآن هو أن هناك من يرقصون التانغو مع أنفسهم وظلالهم مقابل آخرين يحاولون التصفيق بيد واحدة، وهذا بحد ذاته خلل جذري في أي مجتمع، لهذا قيل إن من أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي إضافة إلى الأسباب المعروفة هو التحليق بجناحين غير متكافئين، أحدهما صناعي من فولاذ والآخر ريش ثقافي هش. ويبدو أن هناك ما يشبه الطلاق البائن بين المقول والمفعول في واقعنا العربي. والقطيعة بين النخبة والقاعدة آخذة في الاتساع، لأن ما من حلقة وسطى. وحين ودع أحد المفكرين العرب الطبقة الوسطى قبل أعوام بكتاب صدر بالفرنسية ظن الناس أنه متشائم، وتبعاً للمثل الساذج لم يرَ من الزجاجة إلا نصفها الفارغ رغم أن الرجل بما قاله، يجزم بأنه رأى النصف الممتلئ أيضاً، لكنه لم يكن مملوءاً بالماء بل بالدم. إن أطنان الورق التي تم تسويدها خلال الخمسة عقود الماضية انتهت إلى الأرشيف أو فرّامات الورق، وهذا بالفعل ما يفعله الناشرون بما يتراكم على رفوف مستودعاتهم من كتب أعادها الباعة، فهم يحولونها كما اعترف أحدهم إلى أطباق من الورق المقوى لبيض الدجاج أو صناديق للحلوى. المثقف الذي كرس عمره للبحث والاستقصاء بمعزل عن جاذبية الواقع ولم يغبّر حذاءه فيه انتهى إلى صفع وجهه ندماً لأنه لم يستطع التصفيق بيد واحدة. والفرد العادي الحالم، بواقع أقل فظاظة وشقاء لم يستطع أن يفعل شيئاً، وعجز هو الآخر عن التصفيق بيد واحدة. وقد يبدو هذا المشهد سوداوياً وأقرب إلى مدار مغلق، لكن إمكانية اختراقه قائمة، وكل ما تتطلبه هو ردم الهوة بين المرسل والمرسل إليه، وتلك مسؤولية الطرفين معاً، بحيث يلتقيان في منتصف المسافة وتصبح أحلام النخب غير ممنوعة من الصرف.