في ظل الانتشار الذي تشهده "بيتكوين" وهي عملة إلكترونية افتراضية عبر شبكة الإنترنت، وبلوغ عدد مستخدميها أخيرا في الإمارات وقطر والبحرين والكويت نحو 200 ألف مستخدم، ووجود خطط للتوسع في استخدامها في دول المنطقة، فان الواقع المحيط بتلك العملة المثيرة للجدل يدفع إلى التساؤل: هل هناك مستقبل للاستثمار فيها بعد أن فقدت 15 في المائة من قيمتها؟ لكن قبل المضي لمعرفة الاجابة، فإنه يجب التعريف بتلك العملة، التي يعرفها الكاتب أندرياس أنطونوبولوس في كتابة الشهير "اتقان البيتكوين"، بأنها عملة إلكترونية تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها، ولا توجد سلطة أو هيئة مركزية تقوم بإصدارها كالدولار مثلا، ومع هذا يمكن استخدامها في عمليات الشراء والبيع عبر الإنترنت أو تحويلها إلى عملات أخرى. وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن "بيتكوين" كانت أسوأ العملات أداءً العام الماضي، وخلال عام 2014 فقدت نصف قيمتها في مواجهة الدولار، بحيث كانت أسوأ أداء من الروبل الروسي الذي خسر نحو 45 في المائة من قيمته أمام الدولار أو الهريفنيا الأوكرانية التي كادت لا تساوي قيمة الأوراق المطبوعة عليها إلا بفضل الدعم المالي الغربي وقروض البنك وصندوق النقد الدوليين. لكن بمعايير الكتب والإصدارات فإن موقع أمازون لتجارة الكتب أصدر العام الماضي ما يزيد على 200 كتاب عن تلك العملة الافتراضية. وبالعودة إلى "بيتكوين" وهل الوقت مناسب الآن أو مستقبلا للاستثمار فيها، فقد جاءت الإجابة على لسان مايك هيرن أحد قادة تطوير استخدام تلك العملة، وذلك بإعلان نهاية علاقته بتلك العملة، وبيع كل ما يمتلكه منها لسبب بسيط أنها "فشلت"، خاصة بعد أن تراجعت قيمتها خلال الأسبوع الماضي بما يراوح بين 10 و15 في المائة. ويعد هيرن واحدا من خمسة أشخاص أنفقوا أكثر من خمسة أعوام لتطوير تلك العملة، لكنه وصل في نهاية المطاف إلى قناعة بأنها عملة فاشلة، ما أدى إلى حسم الجدل الذي شهدته تلك العملة العام الماضي بشأن مستقبلها إلى حد كبير، وقدرتها على النمو والتطور. ورأى الدكتور اليكس ليسر؛ أستاذ مادة النقود والمصارف في جامعة لندن، أن الأجل القصير سيشهد تراجعا شديدا في قيمة العملة الإلكترونية "بيتكوين"، لكن الأخطر بالنسبة إليه أن الأجل الطويل سيشهد تخلي عديد من المستثمرين عن التعامل بها، وسيسفر ذلك انخفاضا حادا في قيمتها. وأضاف لـ "الاقتصادية" مفسرا ذلك، أن "المشكلة الراهنة في عملة "بيتكوين" ترتبط بالخلاف حول كيفية زيادة قدرة شبكة "بيتكوين"، ومن ثم يصبح في قدرتها القيام بعديد من التحويلات المالية كل ثانية، وقد تطلب حسم هذا الأمر بتصويت المتعاملين حول هذا الموضوع، ما كشف عن حجم الخلاف داخل صفوف المتعاملين وعدم الاتفاق على رأي واحد". من ناحيته، قال لـ "الاقتصادية" هاري هاردمان المختص في مجال العملات، "إن هناك خللا جوهريا في فكرة "بيتكوين"، فهي تعتمد في جزء كبير من اتخاذ القرارات المصيرية على عملية التصويت وهنا تبرز الإشكالية، فانفجار الخلاف الأخير أعقبته تهديدات بالقتل وعمليات قرصنة إلكترونية بين مستخدمي تلك العملة"، مبيناً أن هذا الأمر يغيب تماما في العملات الوطنية كالدولار مثلا، حيث يتخذ القرار بشأنه عدد من المختصين في المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهذا العدد محدود للغاية ومن ثم يمكن التنبؤ بمستقبل ومسار العملة الأمريكية أو غيرها من العملات الوطنية، أما العملة الإلكترونية فإنها لا تسير على ذات المنوال. ويعكس هذا التحليل نقطة قصور رئيسية في مفهوم العملات الإلكترونية بصفة عامة، ألا وهو غياب قيادة مركزية، قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة، والقيام بالتغيرات المطلوبة لمواجهة التطورات التكنولوجية وتحديات السوق، والتدخل لمنع اشتعال الصراع بين مستخدمي ذات العملة. ويكشف التحليل الرقمي لتطوير قيمة عملة "بيتكوين"، عن تراجع شديد في قيمتها خلال فترة زمنية وجيزة، فبعد أن بلغت قيمتها نحو 1000 دولار عام 2013، أخذت في الانخفاض إلى حدود الـ 400 دولار، وخلال العام الماضي راوحت قيمتها طوال العام بين 200 و300 دولار. ورغم أن أنصار العملة الإلكترونية يتوقعون أن تبلغ قيمتها بحلول عام 2025 ما يقارب 17000 دولار لكل "بيتكوين"، داعمين توقعاتهم بالنمو المطرد لقيمة التحويلات، والادعاء بأن القيمة الراهنة لها أقل من حقيقتها. وفي الوقت الذي يعتبر أنصار "بيتكوين" أن النمو المطرد للتحويلات مصدر قوة لها، بات ذلك يمثل هاجسا أمنيا منذ هجمات باريس، حيث أشارت تقارير استخباراتية إلى أن "داعش" وغيرها من المنظمات الإرهابية ومجموعات الجريمة المنظمة تعتمد على تلك العملة الافتراضية في تعاملاتها لتفادي المراقبة الحكومية. وكانت مجموعة "أنونيموس" قد أعلنت أن "داعش" يلجأ إلى "بيتكوين" لجمع تبرعات وتمويل أنشطته الإرهابية، كما أعلنت مجموعة "غوستساك" أنها اكتشفت حسابا على الإنترنت يعود إلى "داعش" فيه رصيد من ثلاثة ملايين دولار من العملة الافتراضية. واتخذ وزراء مالية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعات مجموعة السبعة الأخيرة قرارا بتشديد القوانين المتعلقة باستخدام "بيتكوين" لمنع التنظيمات الإرهابية، والتنظيمات الإجرامية من استغلال هذه العملة في تمويل أنشطتها. بيد أن إخضاع التعاملات التي تتم عبر "بيتكوين" لما يشبه الرقابة الدولية، لا يحد فقط من آفاقها المستقبلية بل أيضا يعزز موقف الصين الحذر من العملة الإلكترونية. وهنا قال لـ "الاقتصادية" اس دبليو ماسيو كبير المحللين الاستراتيجيين في مجموعة ال. دي للاستثمارات المالية، "إن الصين لديها أكبر حائط صد إلكتروني في العالم، ومن ثم إذا أقرت السلطات المالية الصينية أن "بيتكوين" تؤثر بشكل سلبي في الأوضاع المالية لديها، فإنها تتمتع بالقدرة على وقف التعاملات الدولية، لكنه سيظل في قدرة المتعاملين بالعملة الافتراضية التعامل داخل الصين، وهذا يوجد سعرين مختلفين لذات العملة، ولن تكون هناك طريقة لتوحيد سعر التداول إلا عبر رفع حائط الصد، وحتى في حالة إزالته فإنه لن يكون بالإمكان تعويض الخاسرين جراء الإجراء الصيني، وهذا لا شك يضعف الإقبال الدولي على العملة الافتراضية". ويقود التخوف من قدرات الصين على عرقلة التواصل في مجال تداول العملة الافتراضية، إلى مخاوف مشابهة فيما يتعلق بقدرة الحكومات على فرض قيود تنظيمية داخلية على تداول "بيتكوين"، وتزداد المخاطر حدة إذا وقع التناقض بين تلك الإجراءات التنظيمية بين البلدان المختلفة. وفي الوقت الذي لا تعد "بيتكوين" العملة الافتراضية الوحيدة في عالم الإنترنت، في ظل وجود نحو 700 عملة مماثلة في الوقت الحالي، فإن الأشهر الماضية أظهرت أن الاستثمار في العملات الافتراضية استثمار متقلب خاصة أن النمط الاستثماري لدى المستثمرين في البلدان الغربية يختلف بشكل كبير عن نمطه لدى المستثمرين في الصين والبلدان الآسيوية، التي يبدو الاستثمار في تلك العملة الافتراضية أقرب إلى المقامرة منه إلى الاستثمار الحقيقي. وعلى الرغم مما قد يحققه ذلك من معدلات ربحية مرتفعة في بعض الأحيان، إلا أنه يخلق أجواء من عدم الثقة بقدرة "بيتكوين" على مواجهة الأوضاع المضطربة للأسواق الآسيوية، خاصة السوق الصينية في الوقت الحالي.