تلقيت هدية قيمة من مؤسسة خالد بن سلطان للمحافظة على الحياة في المحيطات، هي النسخة العربية لكتاب «أطلس الموائل البحرية للبحر الأحمر السعودي»، أرسلها لي مشكورا الأخ الدكتور عبدالعزيز أبو زنادة المستشار بالمؤسسة. «الموائل» (habitat) تشمل كل ما يتعلق بالبيئة المحيطة بمناطق الشعاب المرجانية؛ مثل جغرافية المنطقة وعمق المياه والتيارات المائية ودرجات حرارة الماء والتشكيلات الجيولوجية والرمال والحشائش البحرية والطحالب وأشجار الشورى (المانجروف) الموجودة على الساحل وغير ذلك. الأطلس يغطي عدة مناطق على الساحل السعودي للبحر الأحمر تشتهر بشعابها المرجانية، هي رأس القصبة في أقصى الشمال عند مدخل خليج العقبة نزولا إلى الوجه وينبع وضفة فرسان ثم جزر فرسان في الجنوب. يحتوي الأطلس على العديد من الصور للشعاب المرجانية. بعض أنواع هذه المخلوقات لا يوجد مثله في أي منطقة أخرى من العالم. استغرق إعداد الأطلس أربع سنوات، وشارك في تأليفه عدد من الباحثين منهم الباحث الرئيسي أندرو بروكنر. وتعاون مع المؤسسة عدة جهات مختلفة، وهو يعتمد بشكل أساسي على الصور المأخوذة من القمرين الصناعيين «كويكبيرد، ولاندسات 7» مع تحليل المعلومات المشتقة من هذه الصور ودعم ذلك بالصور الجوية المأخوذة بالطائرة وبالتصوير المباشر للشعاب بواسطة فريق الغواصين. الأطلس يشكل مرجعا أساسيا لكل ما يتعلق بالشعاب المرجانية في هذه المناطق، ويحتوي على الكثير من المعلومات الهامة والضرورية. في مقدمة الأطلس يقول صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان: «الشعاب المرجانية التي توجد على طول الساحل السعودي للبحر الأحمر تبرز بوصفها كنوزا طبيعية يمكن أن توفر قيمة كبيرة لاقتصادنا»، وقد ظل الكثير مما يكمن تحت السطح «لغزا» حتى الآن. كما يقول فيليب رينو المدير التنفيذي للمؤسسة: «يحدوني الأمل في أن يتم استخدام هذا الأطلس على نحو فعال لتعزيز استدامة النظم البيئية للشعاب المرجانية على الساحل السعودي للبحر الأحمر» ، ويضيف: «من المهم الحد من الإجهاد المزمن الناتج عن التنمية البشرية وسوء استغلال الموارد». السؤال الكبير الذي يثيره هذا العمل المنهجي هو: هل نستفيد فعلا من هذا الجهد في الحفاظ على ثروة قومية أضعنا جزءا كبيرا منها وما زلنا غير منتبهين لقيمتها الحقيقية؟، أي شخص يلقى نظرة مباشرة على الشعاب المرجانية أو يشاهد صورها يدرك مدى جمال هذه الثروة التي أنعم بها الخالق ــ عز وجل ــ على بلادنا. هذه المخلوقات تشكل عامل جذب مهم للسياح من كافة أنحاء العالم، ويمكن أن تقوم عليها صناعة سياحية متكاملة. فوق ذلك تلعب الشعاب دورا أساسيا في إثراء الثروة السمكية بحمايتها للأسماك الصغيرة خلال فترة نموها. الحالة المزرية التي تبدو عليها السواحل المتاخمة لمدننا الساحلية الكبيرة مثل مدينة جدة وغيرها كافية لإدانتنا بالإهمال والتفريط في هذه الثروة. أسوأ من ذلك، تنقل التيارات البحرية التي يوضحها الأطلس هذا التلوث على طول البحر فلا تسلم منه أي منطقة مهما بعدت. الأطلس المشار إليه هنا ركز على دراسة مناطق رئيسة للشعاب المرجانية، ولكنه لم يتعرض لمقدار الضرر الذي تعاني منه الشعاب المرجانية بصفة عامة على طول سواحلنا، بل ترك ذلك لدراسات كثيرة أخرى بينت الحجم الكبير لهذا الضرر. ويمكن الرجوع إلى كثير من هذه الدراسات على موقع المؤسسة (www.livingoceansfoundation.org)، أقل ما يمكن فعله هو توفير الحماية للشعاب المرجانية وحفظ هذه الثروة الناضبة لأبنائنا. يتطلب ذلك إيقاف كافة أنواع التلوث التي نلقيها في البحر، ومنع ردم أو حفر السواحل والصيد الجائر للأسماك والاقتلاع المباشر للشعاب المرجانية بغرض بيعها، ومنع التلف الذي تتعرض له بسبب مراسي القوارب. إذا كانت لنا الرغبة في حماية الشعاب المرجانية، فلماذا لا نعلن كافة المناطق الأساسية لتواجد هذه الشعاب كمناطق محمية يحظر فيها الصيد ورمي النفايات والبناء وكافة الممارسات التي تعرض هذه المخلوقات للخطر والحفاظ عليها فقط للمشاهدة والاستمتاع بجمالها؟ لماذا لا نفرض عقوبات من الآن وبطريقة تصاعدية على كل من يقوم بإلقاء مياه الصرف في البحار، بما في ذلك شركات المياه والصرف الصحي وأمانات المدن الساحلية والمجمعات السكنية والمصانع، بحيث يصبح من الأجدى اقتصاديا لهذه الجهات معالجة مياه الصرف و إعادة استخدامها؟ وأخيرا، وليس آخرا، لماذا نتلكأ لسنوات طويلة في إصدار أنظمة تحمي السواحل وكل ما فيها من ثروات وجمال؟ لقد أصبح متوفرا لدينا ثروة من المعلومات، ولم يعد لنا عذر في إهدار كنوز البحار التي نمتلكها.