سنة 2013 لم تكن كبيسة من حيث عدد الأيام، لكنها بدأت كبيسة على المرأة المصرية، وانتصفت وهي تتأرجح بين «الكبس واللبس»، وتلملم حاجاتها استعداداً للرحيل وأملاً ضبابياً يلوح في الأفق لأنه ليس في الإمكان أسوأ مما كان! كان الوضع بالغ السوء للمرأة المصرية مع مطلع 2013! استهلت السنة بإرهاصات ما جرى في الأيام الأخيرة من عام 2012 أمام قصر الاتحادية، حيث تصدى أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» للنساء والفتيات اللاتي توجهن إلى محيط القصر للاعتراض على الإعلان الدستوري الجائر الذي أصدرته الذراع الرئاسية للجماعة، وذلك بالتكميم والسبّ والضرب. البداية الثورية النسائية كانت سمة العام، وكذلك الحال لردّ تيارات الإسلام السياسي التي كانت حاكمة والذي ظل يصول ويجول في فلك النساء غير الملتزمات اللاتي تجرأن بالنزول إلى الشارع والهتاف ضد أمير المؤمنين (الرئيس المخلوع الدكتور محمد مرسي) وجماعة تحتكر الدين والفتوى والتحريم والتحليل، وحيث إن مكان المرأة الطبيعي هو البيت، وحيث إن صوتها عورة، وبما إن نزولها الشارع يعني استحلالها، فقد جرى العرف الإخواني على مجابهة خروج المرأة المصرية غير المنتمية للإسلام السياسي بالإخراس أو الضرب أو التحرّش تأديباً لها وتهذيباً لأخلاقها. فالمرأة المصرية التي ساهمت في إشعال فتيل ثورة يناير وأبقت عليه مستعراً لم تستحق سوى ستة مقاعد في الجمعية التأسيسية الأولى لكتابة الدستور الإخواني ثم سبعة في الجمعية الثانية. ولم تحظ سوى بحقيبتين وزاريتين خدميتين في حكومة رئيس الوزراء في عهد الإخوان الدكتور هشام قنديل الذي لم يقصّر في حق المرأة، وأفرد لها ولمسارها تصريحات مطولة شارحاً كيف إن نساء بنى سويف يغتصبن في «الغيطان» عندما يذهبن لقضاء حاجتهن، وأن سبب إصابة الأطفال بمرض الإسهال هو عدم اهتمام الأم بالنظافة الشخصية لثدييها، ملخصاً نظرته إلى النسوة في بلده. النسوة في بلده - على رغم ما أصابهن على مدى عقود من غياب دور الدولة تعليماً وتثقيفاً وصحة وتنشئة ورعاية وفتح الأبواب على مصاريعها أمام تيارات دينية متيمة بالمرأة تحريماً واستغلالاً وسيطرة - لم ينتظرن طويلاً أو يستسلمن كثيراً. وإذا كانت منظمة العفو الدولية عبّرت حينئذ عن قلقها حيال كون الجمعية التأسيسية بعيدة من تمثيل أطياف المجتمع المصري كله، لاسيما أن أحزاب المعارضة السياسية والكنائس المسيحية قاطعت أعمالها. وانتقدت المنظمة هيمنة كل من حزب «الحرية والعدالة» الإخواني و»النور» السلفي على أعمالها، فلم تتضمن عضويتها سوى سبع نساء، وأخذ عددهن يتناقص بانسحاب الواحدة تلو الأخرى، باستثناء ممثلات الأحزاب الدينية، فإن النساء أنفسهن (باستثناء نساء الإخوان وتياراتهم الحليفة) لم يسكتن. علا صوتهن منددات بسرقة الثورة في ذكراها الثانية في كانون الثاني (يناير) 2012، فتعرّضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي بدرجات متفاوتة. وردت الجماعة الحاكمة حينئذ بإن من يتحمّل مسؤولية ما حدث هن النساء أنفسهن اللاتي سمحن لأنفسهن بالنزول إلى الشارع والتظاهر مع الرجال. ومن وجهة نظر حقوقية انتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان (بتركيبته الإسلامية حينها) نزول النساء والفتيات الشارع والانضمام إلى الرجال لأنهن بذلك فتحن الباب أمام الاغتصاب والتحرّش! واستمر اهتمام جماعة الإخوان الحاكمة بالمرأة المصرية، فأطلق مرسي مبادرة دعم حقوق المرأة المصرية وحرياتها، وهي المبادرة التي انطلقت بعد أيام من رفض جماعة الإخوان وثيقة «منع العنف ضد المرأة» التي أصدرتها لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة، إذ اعتبرتها متعارضة وتعاليم الإسلام! أشهر صفعة تعاليم الإسلام لم تنص خلال عام 2013 كذلك على ما تعرّضت له نساء وفتيات توجهن للتظاهر أمام مكتب إرشاد الجماعة الحاكمة في حي المقطّم في القاهرة، حيث صفعت الناشطة مرقت موسى من قبل أحد شباب الإخوان، وهي إحدى أشهر الصفعات الموجهة إلى وجه المرأة المصرية خلال 2013، ولا تنافسها في الشهرة سوى الصفعة الموجهة من أحد شباب الإخوان بعد عزل الجماعة عن الحكم، إذ وجه صفعة قوية مدوية لوجه سيدة مسنة خرجت مؤيدة للجيش المصري ومعارضة لحكم الإخوان الإقصائي. وإذا كانت جماعة الإخوان وحليفاتها من الجماعات الدينية دأبت على إقصاء المرأة المصرية بسبب هواها في التفسير الديني الذي يقصي المرأة وقتما تشاء الجماعة ويستدعيها حين تطرق المصائب أبوابها (مثلما تفعل هذه الآونة مع الحرائر)، فإن الهوى الثقافي والعرف الاجتماعي اعتادا الميل إلى إقصاء المرأة على رغم كل ما تحرزه رغم أنف الجميع بدءاً بفعاليات ثورية حقيقية، ومروراً بإنجازات علمية ومهنية، وانتهاء بتحمّلها وجلدها تضامن المجتمع والأعراف والسياسة ورجالها ضدها، وإن وقف مشروع دستور 2013 الذي سيستفتى عليه بعد أيام معها ومن أجلها. حق دستوري أبرز ما يمكن وضعه ضمن الإنجازات المتحققة من أجل المرأة المصرية خلال 2013 هو موقع المرأة في هذا الدستور. فقد كفلت الدولة المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع العمل على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون. (وإن ظلت مسألة «التمثيل المناسب» غامضة وتحتاج إلى توضيح). ووفق مشروع الدستور المعدّل، تكفل الدولة للمرأة حقها في تولي الوظائف العامه ووظائف الإدارة العليا في الدولة، والتعيين في الجهات والهيئات القضائية من دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة حماية المرأة من أشكال العنف. كما تكفل تمكينها من التوفيق بين واجباتها الأسرية والعمل، وتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأكثر حاجة. المرأة المصرية في 2013 أصبحت أكثر حاجة للاعتراف من حولها بدورها. فبعد ثلاث سنوات من المشاركة في التظاهرات، وتنظيم المسيرات، والضلوع في الوقفات، واستمرار كفاحها الاقتصادي حيث نسب المرأة المعيلة إلى زيادة (وفق الإحصاءات الرسمية 35 في المئة من الأسر المصرية تعيلها نساء) والفقيرة إلى ارتفاع (معدلات الفقر في مصر زادت إلى 26.3 في المئة من إجمالي السكان مع احتفاظه بوجهه الأنثوي)، لا يزال الفضاء العام معادياً للمرأة. المركز المصري لأبحاث الرأي العام «بصيرة» وجد أن اثنتين بين كل خمس مصريات أكدتا إن لهن الحق الكامل في اتخاذ القرار داخل أسرتيهما. والمستمع الذي اتصل بالمذيعة قبل أيام ليعلّق على مواد مشروع دستور مصر المعدّل بكلمات منمقة كثيرة وعبارات محترمة ثم ذيّل رأيه بقول عتيد «لكن لي اعتراض وحيد! مسألة التمثيل المناسب للمرأة لا فائدة منها، فالمرأة مكانها البيت، وحكاية البرلمان والقضاء والسياسة لا تناسبها»! وجموع المتحرشين من الصبية والشباب على كورنيش نهر النيل، ومجموعات المتربصين والمدققين في جسدها ولو كان متوارياً خلف طبقات من الحجاب والنقاب، والسائقون الذين يشتمون قائدة السيارة لأن «الست مالهاش غير الطبيخ والغسيل»، والمديرون الذين يعتبرون الموظفات إما أجساداً للتحرّش بها أو أكواماً للتخلّص منها، جميعهم وغيرهم يشكلون فضاء عاماً معادياً للمرأة وغير مرحب بها، سواء كان ذلك من باب «تكريم المرأة من خلال إبقائها في البيت»، أو «عقاب المرأة لأنها نزلت إلى الشارع بالتحرّش بها أو سبها أو التمعّن في جسدها»، أو حتى من خلال إعادة اختراع العجلة وطرح مسألة «هل تصلح المرأة قاضية؟». تستقبل نساء مصر وفتياتها 2014 وكلهن أمل بأن يتوقف الجميع عن استخدامهن واستغلالهن تارة باسم الدين والتديّن، وطوراً باسم الحداثة والمدنية، ودائماً باسم المصلحة. فهن أدرى بمصالحهن وقدراتهن بعد ثلاث سنوات من الثورة، وثلاثة عقود من التغييب وانتفاء الحقوق، ومئات السنوات من المشاركة ولو كانت من خلف الستار.