بعد ظهر ذلك اليوم، وربما لأول مرة منذ ظهور «يوتيوب»، قررت ألا تقتصر المشاهدة على برنامج ساخر أو برنامج ملاكمة سياسية. استعدت برامج سقوط القذافي، وإعدام صدام حسين، ومغادرة زين العابدين بن علي، وبداية تظاهرات سوريا، وتظاهرات صنعاء. غريب. كان البديل هو أيضًا دمويًا. مشاهد ليبيا بعد قتل القذافي تثير الرعب. البديل يتجاوز الأصيل بفظاعات شتّى. اللغة الجماهيرية تزداد غلظًا وازدراءً للقانون. جلاّدو النظام يثيرون الشفقة من سوء المعاملة. وليبيا كلها تثير الحزن. وجلادو صدام حسين يحوِّلون عملية الإعدام من حكم باسم القانون إلى قتل باسم الثأر. دم يرث دمًا، وقانون الشخص يحل محل قانون الفرد. وسوف تبقى بلاد الرافدين مخضّبة ومرويّة بدماء العراقيين. عبثًا تبحث عن هدنة لدى سيادة البديل، وعن هدوء لشوارع بغداد الفائضة بشتى أنواع الظلم. وفي تونس، خرج القاسي باسم الأمن، الذي كنت أسميه هنا الشرطي، تذكيرًا بمنصبه السابق، خرج فعمَّت الدماء ساحات تونس. ورأينا الأكثرية الكبرى من الداعشيين تأتي من تونس، التي كان الحكم فيها فرديًا، لكن ليس صدّاميًا ولا قذّافيًا. فجأة، عم شبق الدماء في بلاد المثقفين. ومن بوعزيزي يحرق نفسه ويفجر مشاعر العالم، إلى مجموعات تحرق تونس وتفجِّر استهجان العالم. هل هذه تونس؟ لا نخدع أنفسنا. الثورات تتسم بالعنف. نحن لسنا بريطانيا التي سقط فيها رجلان برصاص الشرطة خلال الأعوام الثلاثة الماضية! ولكن هل نحن أيضًا البراميل المتفجرة، وسكاكين «داعش»، وسقوط الموصل ومدن العراق، وسقوط إدلب والرقة وتدمر؟ هل نحن كل هذه الفيضانات من الدم من دون توقُّف أو ترحُّم؟ أبديت إعجابي يومها بسلوك اليمنيين. نزلوا إلى ساحة صنعاء، معارضين وموالين، جنبًا إلى جنب، من دون سفاهة أو اعتداء واحد. لكن حاصد اليمن ظل يدور حول أمن البلاد حتى ملأه دمًا وخرابًا وركامًا. لن يتقاعد وفي البلاد حجر قائم. ألم يمنح البلاد 33 عامًا من التقدم والرخاء؟ ألم يتركها بلا نفط ولا مياه؟ ما العمل إذن؟ يشترك مع أعدائه السابقين في تدمير كل شيء. ويقف أمام منزله المهدَّم كما وقف القذافي أمام منزله المتصدع. بيت الأمة والوحدة وصولجان ملوك أفريقيا. أليس هناك من حل أفضل؟ بديل طبيعي عادي لا يثير الضحك ولا يشتهي الدماء؟ التغول مكان الديكتاتورية؟ أليس من باب يدخل منه أو يعود منه الصالحون؟ لا «كفاية»، بل كفى!