×
محافظة المنطقة الشرقية

«فالكون»: الإمارات منصة عالمية لنمو الثروات

صورة الخبر

يتحدث البعض في وطننا العربي في الوقت الراهن، ونسبة ليست قليلة منهم بحسن نية، سواء من الشباب الممتلئ حماساً، أو حتى من جانب بعض المثقفين والمحللين، عن أن السبيل الوحيد للعرب للخروج من الحالة المأسوية، بل الكارثية، التي يمرون بها حالياً قد يكمن في أن يمروا أولاً بتجربة مماثلة أو شبيهة بحروب المئة عام التي مرت بها أوروبا بين عامي 1337 و1453. وقد نجد بعض العذر لبعض هؤلاء، في ظل أجواء تتسم بالتشاؤم وتوقع الأسوأ في القادم من الأيام، في ضوء حالة عامة من التردي والتراجع، قد يراها البعض غير مسبوقة في التاريخ العربي. ورغم تفهم المنطق وراء هذا الطرح، الذي يمكن إيجازه في أن أصحابه يرون أن حروب المئة عام في أوروبا تمخض عنها عدد من الظواهر الإيجابية التي مهدت بدورها للنقلة النوعية في تاريخ أوروبا من عصور الظلام إلى عصر الاكتشافات الكبرى للعالم الجديد، وبزوغ بشائر أولية لثورة العلم والتكنولوجيا، وعصر النهضة، والثورة الصناعية بكل ما حملته من انتقال من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة الرأسمالية، فقد مرت أوروبا أيضاً بمرحلة انتقالية ما بين انتهاء حروب المئة عام ودخولها عتبات زمن جديد قادها لموقع الصدارة في العالم. وخلال تلك المرحلة حدث تطوير نوعي غير مسبوق للأسلحة، وتبلور للمشاعر الوطنية بما وضع حجر الأساس الراسخ لبناء الدولة الوطنية في أوروبا لاحقاً. كذلك انطلقت من أتون تلك الحرب بذرة الدولة المركزية مرتبطة، في الحالة الفرنسية على سبيل المثال، بإنشاء الجيش الوطني، وارتبط بتلك الحرب انتهاء النفوذ الواسع للغة الفرنسية في أوروبا، بخاصة في المملكة المتحدة. وأخيراً كان لهذه الحروب دورها في زرع معالم أولية لما يمكن اعتباره مكونات ثقافة سياسية جديدة في أوروبا، ربما لم تبدُ مؤثرة آنذاك ولكنها تطورت واكتسبت قوة ومناعة في ما بعد. ومنها إدراك أن الحروب تؤدي إلى نتائج مدمرة، ليس فقط للطرف المهزوم بل حتى للطرف المنتصر، بخاصة على الصعيد الاقتصادي، وتضر بالمصالح الوطنية لأطرافها كافة. ومن ثم أدى ما تقدم إلى الدفع للأمام بتوجهات مجتمعية جديدة في أوروبا مؤيدة للسلم ومناهضة للحروب. ولكن، ومرة أخرى مع تفهم الاعتبارات التي يسوقها من يدفع بطرح ضرورة مرور العرب بمرحلة مماثلة أو مشابهة لحرب المئة عام في أوروبا، فإن هناك اعتبارات مهمة تقبع في الجانب المعاكس وتدحض هذا الطرح وتفنده، سنحاول أن نعرض لبعضها في ما يلي. أولاً، لا يوجد أي ضمانات بأن ما تحقق في أوروبا في أعقاب حرب المئة عام، سوف يتحقق تلقائياً في الوطن العربي إذا تم السماح لهذه الدائرة الجهنمية المغلقة من الصراعات والحروب التي يمر بها الآن، وتهدد بالاتساع، أن تستمر وتتزايد حدتها. فمقولة أن «التاريخ يكرر نفسه» يجب أن يتم التعامل معها بحذر لسببين رئيسيين: الأول أن النظريات الجدية في تفسير التاريخ التي تتحدث عن قيام أحداث التاريخ بتكرار ذاتها لا تتحدث عن تكرار متماثل، بل عن تكرار بدرجة أكثر تعقيداً وفي مراحل أكثر تقدماً. أما السبب الثاني، فهو أنه عند المقارنة بين منطقتين جغرافيتين ومرحلتين تاريخيتين مختلفتين، وقبل الحديث عن تكرار أحداث جرت في منطقة معينة وفي زمن معين في إطار منطقة أخرى وزمن آخر، فإنه يتعين الأخذ في الاعتبار التباين في البيئة المحيطة والمتغيرات المؤثرة، ومنها على سبيل المثال في زماننا الراهن المتغير الخاص بمنتجات الثورة المتسارعة وغير المسبوقة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عالمنا المعاصر مقارنة بأوروبا في عصورها الوسطى أو في مرحلة طريق الخروج منها. ثانياً، إن حروب المئة عام جرت داخل القارة الأوروبية ودارت بين قوى أوروبية، وهي في الأساس المملكة المتحدة وفرنسا في ذلك الوقت، ولم تتدخل فيها أو تتداخل معها أي قوى من خارج تلك القارة، بينما الواقع الذي نعلمه جميعاً هو أن الحروب والصراعات الجارية حالياً على أرض العرب، وغير المسبوقة في تاريخهم الحديث والمعاصر، لا تدور فقط بين أطراف عربية، بل إن أطرافاً إقليمية كثيرة تتدخل فيها بأشكال قد تكون مباشرة أحياناً وغير مباشرة أحياناً أخرى. وكذلك، فإن أطرافاً دولية عديدة تتدخل في الشأن العربي وفي الصراعات الدائرة اليوم على الأرض العربية، بأشكال مباشرة أو غير مباشرة. وتقوم الأطراف الدولية والأطراف الإقليمية غير العربية بهذه التدخلات ليس حباً بالعرب، بل تحقيقاً لمصالحها الوطنية. كما أن الأطراف العربية قد تستعين في بعض الحالات بأطراف غير عربية، إقليمية أو دولية، في مواجهة أطراف عربية أخرى، كما أن أطرافاً عربية قد تناصر في العديد من الأحيان أطرافاً غير عربية ضد أطراف عربية أخرى في حروب وصراعات تجري على الأرض العربية. ثالثاً، إن الرهان على أن المسار الراهن للأحداث في المنطقة العربية سينتج عنه بالضرورة ما هو أفضل في ما يخص العرب، قياساً على المسار الذي أعقب حروب المئة عام في أوروبا، يقودنا بكل أسف إلى الدخول مجدداً في نفق الحديث عن «حتمية» جديدة، وهو نفق محفوف بالمخاطر ويصل في الأغلب إلى جدار صلب لا فكاك منه. وإذا قمنا بإجراء المقارنة قياساً على تجربتنا في الأمة العربية مع الكثير من «الحتميات» على مدار العقود الماضية، فقد مر العرب بالعديد من الحتميات، التي كانت تبدو متناقضة ومتضاربة في ما بينها، ودارت في ظلها تجارب عملية كثيرة جاء معظمها بنتائج سلبية، وفي بعض الأحيان كارثية، على العرب، سواء في مجال أوضاعهم الداخلية أو في ما يتعلق بمكانتهم الدولية. وسواء كانت هذه الحتميات في اتجاه «اليمين» أو في اتجاه «اليسار» بالمعنى الشامل لهذين التعبيرين، وفي نهاية المطاف، ومع الغالبية العظمى من هذه التجارب، كان ما تمخض عن الإيمان بهذه الحتميات ومحاولات ترجمتها على أرض الواقع إلى تطبيقات معيشة، إما هزيلاً أو مثل تراجعاً إلى الخلف في الكثير من الأحيان. رابعاً، إن من يتبنون ضرورة أن يمر العرب بتجربة مماثلة لحروب المئة عام حتى يصلوا إلى الأفضل، قد يكونون، ربما عن حسن نية ومن دون أن يدروا وليس عن سوء قصد، يروجون ويمهدون الطريق لوصول العرب ليس إلى حال أفضل، بل بما يصب في خدمة الانجرار إلى التطبيق العملي لطرح «الفوضى الخلاقة» والذي سبق أن طرحته وبشرت به في مناسبات عدة شخصيات ودوائر تنتمي إلى تيار «المحافظين الجدد» إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن. وما طرح وقتها من الدعوة إلى ضرورة تقسيم العديد من الدول العربية وتفتيتها إلى دويلات صغيرة ومشتتة. وهو طرح لا يحمل خيراً بالتأكيد للعرب، وبما وصل بنا اليوم إلى درجة مجرد تمني بقاء الدول الوطنية القائمة، والابتعاد من مجرد الحديث، ولو على سبيل التعبير عن الحنين، عن حلم تحقيق الوحدة العربية، التي طالما راودت خيال ملايين العرب على مر العصور، بل وحتى الشعور بالابتعاد من الوصول إلى حالة التضامن أو التعاون بين الأقطار العربية. قد تكون الأسباب الأربعة المذكورة لا تستوفي الأسباب كافة التي تؤدي بنا إلى رفض وتفنيد الطرح الذي يود الدفع بالمقارنة بين ما تمر به الأمة العربية حالياً وحروب المئة عام في أوروبا، ومن ثم الخروج بنتيجة مفادها أن المرور بمسار الحروب والصراعات الراهن والاستمرار فيه حتى النهاية هو السبيل الوحيد الذي سيؤدي بالعرب إلى الخروج في نهاية الأمر إلى نهضة عربية توازي النهضة التي شهدتها أوروبا في أعقاب حرب المئة عام. إلا أن تلك الأسباب الأربعة مؤشرات مهمة ولها دلالتها تفرغ هذا الطرح المذكور من دعاماته الرئيسية، وتدعو إلى التفكير المتعمق والعمل الجاد للخروج من الوضع العربي الراهن بكل مأسويته إلى الأفضل القائم على أسس واقعية ومنبثقة من مكونات الحلم العربي الذي لم يندثر بعد.     * كاتب مصري