سورة الصف مدنية، وآياتها أربع عشرة آية. روى الترمذي عن عبدالله بن سلام قال: قعدنا نفرًا من أصحاب رسول الله فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله - عز وجل - لعملناه، فأنزل الله تعالى: سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون [الصف: 1، 2]، قال عبدالله بن سلام: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى: باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله، قال تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [البقرة: 44]، وقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون [الصف: 2]، وقال تعالى إخبارًا عن شعيب عليه السلام: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه [هود: 88]. وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. قال الشيخ أبو بكر الجزائري: لفظ النداء عام، والمراد به جماعة من المؤمنين قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لفعلناه، فلما علموه ضعفوا عنه ولم يعملوا، فعاتبهم الله في هذه الآية، ولتبقى تشريعا عاما إلى يوم القيامة، فكل من يقول: فعلت، ولم يفعل، فقد كذب، وبئس الوصف الكذب، ومن قال: سأفعل، ولم يفعل، فهو مخالف للوعد، وبئس الوصف خلف الوعد، وهكذا يربي الله عباده على الصدق والوفاء. وقوله: كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [الصف: 3]، أي: قولكم نفعل ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت، أي: يبغض أشد البغض، وقوله: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا [الصف: 4]، أي: صافين متلاصقين لا فرجة بينهم كأنهم بنيان مرصوص بعضه فوق بعض، لا خلل فيه ولا فرجة كأنه ملحم بالرصاص. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وفي رواية: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع من كن فيه، كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. قال ابن عباس: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض عليهم الجهاد يقولون: لوددنا أن الله - عز وجل - دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.