قالت شركة جدوى للاستثمار إن ميزانية الدولة لهذا العام جاءت تحفيزية وضخمة وتضمنت مستوى قياسياً من الإنفاق سيلعب بلا شك دوراً رئيسياً في دفع عملية النمو الاقتصادي في البلاد. وجاء في تقرير أصدرته أمس انه لأول مرة منذ عام 2005، تأتي الميزانية متعادلة تتساوى فيها الإيرادات والمصروفات حيث قدرت كلا من المصروفات والإيرادات لهذا العام بنحو 855 مليار ريال. وبقي قطاعا التعليم والرعاية الصحية يمثلان أهم بنود الإنفاق الحكومي في الميزانية، حيث شكلت مخصصاتهما نحو 38 بالمئة من إجمالي الإنفاق. أرقام الميزانية وضعت على تقديرات متحفظة لأسعار النفط والتوقعات زيادة الإيرادات الفعلية بنهاية 2014 تؤكد الميزانية على عزم الحكومة الاستمرار في دعم النمو الاقتصادي، حيث سيؤدي الإنفاق الاستثماري المرتفع الذي قررته الميزانية في حدود 248 مليار ريال، إلى دعم نمو اقتصادي قوي كما سيشجع القطاع الخاص ويتيح له فرصاً جيدة في وقت تسود الأسواق حالة من عدم اليقين إزاء الأوضاع العالمية والإقليمية على حد سواء. ورغم أن تقديرات الإيرادات جاءت أقل تحفظاً من الميزانيات السابقة، لكن ذلك لا يمثل مشكلة حيث تستطيع المملكة بسهولة تغطية أي عجز قد يطرأ على الإيرادات من خلال السحب على الموجودات الأجنبية لدى مؤسسة النقد (ساما) التي بلغت 712 مليار دولار في نهاية أكتوبر. وتعتقد شركة جدوى أن من شأن متوسط إنتاج عند مستوى 9,4 مليون برميل يومياً ومتوسط سعر عند 67 دولاراً للبرميل لسلة الخامات السعودية (نحو 71 دولاراً لخام برنت) أن يستوفيا الإيرادات النفطية المستخدمة في تقديرات الميزانية. كما نتوقع أن تتخطى الإيرادات والمصروفات على حد سواء المستويات المقدرة في ميزانية العام الجديد ونتوقع تحقيق فائض قدره 140,8 مليار ريال (4,8 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي)، وذلك بناءً على سعر للنفط في حدود 104 دولارات للبرميل لخام برنت. وسجل حجم الإنفاق الذي أقرته ميزانية 2014 مستوى قياسياً آخر يدل على استمرار الحكومة في برنامجها لتطوير البنية التحتية البشرية والمادية وتحفيز النمو الاقتصادي وتلبية متطلبات النمو السكاني المتسارع. ولأول مرة منذ عام 2005، أقرت المملكة ميزانية متعادلة هذا العام مقارنة بفوائض صغيرة في العامين الماضيين. اشتملت الميزانية على نمو سنوي محدود في المصروفات (4,1 بالمئة) وكذلك الإيرادات (3,1 بالمئة) مقارنة بميزانية العام السابق. في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى خفض نفقاتها و/أو زيادة الضرائب كي تتمكن من التحكم في العجز في موازناتها وتقليص ديونها نجد أن هذا الأمر لا يشكل هاجساً للمملكة. رغم التوقعات بأن تأتي الميزانية متعادلة عام 2014، لكن الدين العام منخفض جداً ونعتقد أن المملكة تستطيع بسهولة أن تموّل أي عجز قد يطرأ على ميزانيتها باستخدام احتياطيها الضخم من الموجودات الأجنبية ولن تلجأ لإصدار دين جديد. قطاعا التعليم والرعاية الصحية يمثلان أهم بنود الإنفاق الحكومي في الميزانية ويستحوذان على 38% من حجم الانفاق تم تقدير المصروفات الكلية حسب ميزانية عام 2014 بنحو 855 مليار ريال، بما يفوق المصروفات التي كانت مقررة في ميزانية عام 2013 بنسبة 4 بالمئة، وهو أقل معدل نمو في المصروفات منذ عام 2002. أما بالقيمة الاسمية، فقد زادت المصروفات المقررة في الميزانية بنحو 34 مليار ريال عما كان مقرراً في ميزانية عام 2013، مسجلة بذلك أدنى زيادة اسمية في المصروفات تقرها الميزانية منذ عام 2007. ورغم أن هذا الإنفاق المقرر في الميزانية يقل عن الإنفاق الفعلي للعام 2013 والذي بلغ 925 مليار ريال، لكننا لا نعتقد أن ذلك يشير إلى سحب عوامل التحفيز أو إعادة تفكير في سياسة التوسع في الإنفاق. وكان عام 2000 آخر عام تجاوز فيه الإنفاق التقديري في الميزانية الإنفاق الفعلي للعام الذي سبقه. إضافة إلى ذلك، لا يزال الإنفاق المقدر في الميزانية كنسبة من الناتج المحلي غير النفطي يفوق المستويات التاريخية (بلغت نسبته 52 بالمئة)، مقارنة بنسبة 49 بالمئة من الناتج المحلي غير النفطي كمتوسط للعشر سنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، ظلت الحكومة تتجاوز إنفاقها المقرر في الميزانية بصفة مستمرة بمتوسط 24 بالمئة خلال العقد الماضي. وجاء تناقص الفرق بين مستوى الإنفاق التقديري في ميزانية عام 2014 والإنفاق الفعلي في عام 2013 والذي بلغت نسبته 8 بالمئة، متسقاً مع العام السابق. انخفاض الإنفاق الاستثماري تعود الزيادة في الإنفاق المقرر والتي بلغت 34 مليار ريال بكاملها إلى ارتفاع الإنفاق الجاري، في حين انخفض الإنفاق الاستثماري، وقد ارتفع الإنفاق الجاري حسب الميزانية إلى 607 مليارات ريال أو بزيادة نسبتها 13 بالمئة مقارنة بالإنفاق المقرر العام الماضي. وتتماشى هذه الزيادة مع النمو في العام السابق. وتشكل المرتبات والأجور أكبر مكون في هذه الزيادة، ومن المؤكد أنها ستكون أكبر مساهم في هذا المستوى المرتفع من الإنفاق. كذلك يرجح أن ترتفع تكاليف التشغيل والصيانة بسرعة وستصبح أحد أهم بنود المصروفات الجارية خلال السنوات القادمة عندما تنتقل معظم المشاريع إلى مرحلة التشغيل. في نفس الوقت، انخفض الإنفاق الاستثماري بنسبة 13 بالمئة ليبلغ 248 مليار ريال. ورغم أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2002 التي نشهد فيها قيام الحكومة بخفض اعتماداتها للإنفاق الاستثماري، لكن هذا الأمر كان متوقعاً في ظل النمو السريع لهذا النوع من الإنفاق خلال السنوات العشر الماضية والتي بلغ متوسط نموها 14,8 بالمئة في السنة. ويجب الإشارة إلى أن هذا الإنفاق الاستثماري المقرر في الميزانية يفوق مستواه قبل خمس سنوات بنسبة 81 بالمئة. ورغم أن الصرف في ميزانية 2014 شمل جميع القطاعات إلا أن أولويات الصرف جاءت متسقة مع أولويات موازنات الأعوام القليلة الماضية، حيث حظي قطاع التعليم بالنصيب الأكبر من المخصصات التي تم الكشف عنها في الميزانية وشكلت مصروفاته 25 بالمئة من إجمالي الإنفاق، تلاه قطاع الصحة والشؤون الاجتماعية بمخصصات شكلت 12,9 بالمئة. وحُظي قطاعي الخدمات البلدية والصحة والشؤون الاجتماعية بأعلى نسبة زيادة في المخصصات بلغت 9 بالمئة و 8 بالمئة على التوالي. الإيرادات قدّرت ميزانية العام 2014 إجمالي الإيرادات بنحو 855 مليار ريال نتوقع أن تساهم مبيعات النفط بنحو 90 بالمئة منها، لكن لا تتوفر تفاصيل رسمية بهذا الخصوص. وكما جرت العادة لم يُكشف عن متوسط سعر النفط ولا حجم الإنتاج اللذين بني عليهما تقدير الإيرادات النفطية في الميزانية، إلا أننا نرى أن من شأن متوسط للإنتاج اليومي يبلغ 9,4 مليون برميل ومتوسط لسعر سلة الخامات السعودية يبلغ 67 دولاراً للبرميل (ما يعادل نحو 71 دولاراً لمزيج برنت ) ومعدل تحويل لإيرادات النفط عند 88 بالمئة أن يستوفيا الإيرادات النفطية المقررة في الميزانية الحالية. اعتادت الحكومة على صياغة الميزانية على أساس تقدير متحفظ لأسعار النفط، فخلال العقد الماضي جاء السعر الفعلي للنفط أعلى بواقع 70 بالمئة في المتوسط عن السعر المستخدم في وضع تقديرات الميزانية. وكانت آخر سنة انخفض فيها متوسط السعر الفعلي للنفط مقارنة بالسعر المستخدم في تقديرات الميزانية هي عام 1998. ويبلغ متوسط سعر خام برنت للفترة منذ بداية العام وحتى تاريخه 109,6 دولارات للبرميل، أي أعلى بواقع 54 بالمئة عن مستوى السعر الذي نعتقد أنه اُستخدم في صياغة تقديرات الميزانية. مع ذلك، وبافتراض أن أسعار النفط ستنخفض تدريجياً العام القادم، فإننا نعتقد أن السعر الذي قُدّرت على أساسه الميزانية الحالية يبقى أقل تحفظاً مقارنة بالسعر الذي اُستخدم في تقديرات الميزانية العام الماضي. التقدير غير الواقعي لإيرادات النفط على ضوء تلك الافتراضات، قدّرت الميزانية أن الإيرادات سترتفع بنسبة 4 بالمئة مقارنة بميزانية العام السابق رغم أننا نتوقع أن يأتي كلاً من سعر النفط وحجم الإنتاج دون مستوياتهما في العام 2013، ونعتقد أن الإيرادات الفعلية ستزيد عن تقديرات الحكومة بدرجة مريحة. بصفة عامة تشكل الإيرادات الأساس الذي تحسب بناءً عليه المصروفات، وقد ساهم التقدير غير الواقعي لإيرادات النفط وبالتالي تقديرات الإنفاق في رفع مستويات تجاوز الإنفاق خلال السنوات الماضية. لم يتم الإعلان عن تقديرات الإيرادات غير النفطية في الميزانية والتي يأتي معظمها من رسوم الخدمات الحكومية والتعرفة الجمركية. وقد أشرنا في آخر تقرير اقتصادي لنا إلى أننا نتوقع ارتفاع الإيرادات من كلا هذين الموردين نتيجة لقوة الأداء الاقتصادي. ورغم أن الاحتياطيات الأجنبية سجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق، لكننا لا نتوقع أن يشهد الدخل الاستثماري تغيراً يذكر مقارنة بالسنوات القليلة الماضية بسبب الفائدة المتدنية للسندات الأمريكية التي نعتقد أنها تشكل معظم الموجودات الأجنبية لحكومة المملكة. ولم تتضمن بيانات الميزانية تبني أي سياسات جديدة لزيادة الموارد غير النفطية.