في الوقت الذي تدخل علاقة روسيا بأميركا والغرب مرحلة البرود المتفاقم، تحظى العلاقات الروسية الصينية باهتمام متجدد. ووجد الصحافيون والمثقفون في الغرب أنفسهم يجادلون في طبيعة الشراكة الصينية الروسية، ويتساءلون عما إذا كانت ستتطور إلى نوع من التحالف بين البلدين. وجهات نظر برزت، منذ نهاية الحرب الباردة، وجهتا نظر رئيسيتان تحددان التقييمات الغربية للعلاقات الروسية الصينية، وتتوقع مستقبلها. وتصنف وجهة النظر الأولى الرابط الذي يجمع بين بكين وموسكو بأنه هش وعرضي محفوف بالمخاطر، وتصفه بـزواج المصلحة. وتفترض وجهة النظر الأخرى وجود عوامل استراتيجية وأيديولوجية تشكل أساس الروابط الروسية الصينية، ويتوقع أن يشكل البلدان تحالفاً مناهضاً لأميركا والغرب. واعتقد بعض المحللين والمسؤولين الغربيين أن الصراعات المستمرة في سوريا وأوكرانيا، حيث تدخلت روسيا بقوة، يمكن أن تؤدي إلى بروز توترات بين بكين وموسكو أو قطيعة، إلا أن ذلك لم يحصل. علاقة تحقق التنمية غير أن الصين لا مصلحة لها في قيام تحالف رسمي مع روسيا، أو تشكيل تكتل مناهض لأميركا أو الغرب، بل إن بكين تأمل أن تتوصل هي وروسيا إلى الحفاظ على علاقتهما على نحو يوفر بيئة آمنة للبلدين الجارين لتحقيق أهدافهما التنموية . شهدت مرحلة نهاية القرن التاسع عشر العديد من المناسبات التي جمعت الصين والامبراطورية الروسية وبعدها الاتحاد السوفييتي في تحالفات لم تدم طويلاً. وشهدت العقود اللاحقة تذبذباً بين البلدين الشيوعيين. وتحسنت العلاقات الروسية الصينية منذ ذلك الوقت تدريجياً، وازدادت عمقاً، فشهدت الأعوام العشرون الأخيرة توسعاً في العلاقات التجارية والاستثمارية المتبادلة، وشهدت نسبة الاستثمارات الصينية في روسيا عام 2014، نمواً بنسبة 80 في المئة. مؤشر الاتفاقيات وقعت كل من روسيا والصين اتفاقات تتعلق بمدّ خطوط الغاز الطبيعي الروسي للصين، ويعتزم البلدان توقيع اتفاقيات أخرى مهمة، تتعلق بتوليد الطاقة النووية، التصنيع الفضائي، القطارات فائقة السرعة، تنمية البنى التحتية، كما يتعاونان في مجال إنشاء مؤسسات مالية متعددة الجنسيات. وبموازاة ذلك، شهدت الروابط الأمنية الصينية الروسية تحسناً، وقد أصبحت الصين أحد أكبر مستوردي الأسلحة الروسية، فيما المباحثات جارية حول إنشاء مشاريع أبحاث وتطوير أسلحة مشتركة. الاقتصاد والسياسة بالتزامن مع تعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية، توثقت الروابط السياسية بين الصين وروسيا. وقد التقى الرئيسان الروسي فلاديمير والصيني شين جينبينغ 12 مرة على الأقل منذ عام 2012، إلا أنه على الرغم من التقدم الحاصل، فلا تزال الخلافات موجودة بين البلدين الجارين، فروسيا أكثر تركيزاً تقليدياً على أوروبا، في حين أن توجه الصين آسيوي، أضف إلى ذلك التباين الحاصل بين الأساليب الدبلوماسية، حيث تظهر موسكو أكثر حنكة على الساحة الدولية، وتميل إلى المناورات الدبلوماسية القوية والنشطة والمفاجئة غالباً، في حين أن الدبلوماسية الصينية قائمة أكثر على الحيطة وردّ الفعل. أقلق الصعود الصيني بعض الأوساط الروسية، إلا أن الأزمتين السورية والأوكرانية أضاءتا على الطرق الفعالة لإدارة الشراكة الروسية الصينية، علماً بأنه نظراً لتشابك العلاقات الصينية الروسية الأميركية، يصعب تحليل الروابط الصينية الروسية بشكل مكتمل دون الأخذ بالاعتبار الواقع الصيني الأميركي، الذي يعتبر بالمقارنة مع العلاقة الروسية الصينية أوسع نطاقاً، وأكثر تعقيداً، ويمثل تحسنه جزءاً من الجهود الدبلوماسية الصينية. لا بد للصين وروسيا من التمسك بمبدأ الشراكة على حساب التحالف، أما الصين وأميركا فيجب أن تواصلا اتباع نهج جديد من علاقات الدول الكبرى، وفتح باب الحوار، والتعاون وإدارة الخلافات. مسار استمرت العلاقات بعد تفكك الاتحاد السوفييتي قائمةً على مبدأ لا تحالف، لا صدام، ولا استهداف لبلد ثالث. وسرعان ما اعتنق اتحاد روسيا ما يسمى بالنهج الأطلسي، حيث لم يعمد لاكتساب ثقة ومساعدة الغرب إلى اتباع التعليمات الغربية للإصلاح الاقتصادي، بل قدم تنازلات حول مسائل أمنية جوهرية تتعلق بتخفيض مخزونه الاستراتيجي من الأسلحة النووية. أعلنت روسيا والصين عام 1992 اعتبار إحداهما للأخرى دولة صديقة، وأصدرتا بياناً مشتركاً ينص على حرية الشعوب في اختيار مسار التنمية الخاص بها واحترامه، وعدم السماح للفروقات في الأنظمة الاجتماعية والأيديولوجية بأن تعيق تقدم مسار العلاقات.