تواصلت مساء أمس الأول عروض الدورة الثامنة من مهرجان المسرح العربي التي تحتضنها الكويت، وذلك بعرضين من العروض المنافسة على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرح عربي، هما سيد الوقت وكا - أو. كان العرض الأول مسرحية سيد الوقت لفرقة مسرح الغد في مصر، من تأليف محمد فريد أبوسعدة وإخراج ناصر عبدالمنعم، وتناول التجربة الصوفية المأساوية للشهاب الدين السهروردي وحادثة قتله بعد اتهامه بالزندقة والسجال الذي دار بينه وبين علماء حلب قبل أن يفتوا بقتله. تبدأ المسرحية بالراوي الذي يبدو خائفاً هارباً من خطر ما، ويفتح حقبته ويخرج كتباً يتأملها، ويتعجب من نفسه كيف يحمل دليل إدانته بين يديه، فلو عثر عليه ومعه تلك الكتب فسوف يقتل، ويقرأ اسم مؤلف تلك الكتب الشهاب السهروردي، ويبدأ في رواية حكايته، ولقائه بالأمير الظاهر بن صلاح الدين أمير حلب وافتتان الأمير به ثم خلافه مع علماء الشريعة عندما شاع أمره، ويتوقف الراوي ليبدأ اللقاء بين السهروردي والأمير بعد أن يكتشف الأمير أمره من خلال فتاة كان الأمير يغشى دارها، وتبهره منطقه وأفكاره فيصبح مريداً له، ثم تقدم المسرحية السجالات الكلامية والفقهية التي نشبت بين السهروردي والعلماء، والتي على أساسها حكموا بزندقته، وبعثوا برسالة لصلاح الدين بذلك، ثم تصور المسرحية الحيرة والألم الذي يصاب به الأمير عندما يصله أمر سيف الدولة بقتله يصاب، وفي النهاية ينفذ الابن القتل، ويصاب بالحزن والإحساس بفقدان الروح. كان أداء الممثلين في الأغلب جيداً، وخاصة من ناحية الأداء اللغوي الذي كان متميزاً، وظهر فيه الجهد الذي بذله الممثلون في حفظ النصوص الصوفية والفقهية وإلقائها، كما أفلح المخرج بوضعه للستارة الشفافة التي قسمت الخشبة إلى زمنين، الزمن الحاضر وهو المقدمة، والزمن الماضي أو زمن الحلم والخيال، كما كان استعمال ستائر موشاة بنقوش خطية دالاً في سياق العرض، وكذلك استخدام الرقص والأناشيد والأشعار الصوفية أعطى جو المسرحية مسحة صوفية تناسب الحدث، وخففت قليلاً من البرودة الدرامية التي طبعت المسرحية بسبب التركيز الممل على النقاشات الفقهية والفلسفية الطويلة التي قلبت المسرحية إلى سجال لفظي لا مخرج منه، وجعلت الرؤية الدرامية غائمة، وأوقعتها في التناقضات وعدم الإقناع، فالأمير عندما يلجأ للسهروردي حائراً لكي يعطيه حلاً في شأن إقامة العدل وإشاعة السلام، يجيبه السهروردي بأن الحل هو بممارسة الرقص والرقص المتواصل، كما أن محاولة المسرحية إسقاط العرض على الواقع جعل الشخصيات تتكلم بعبارات ومفاهيم من العصر الحاضر لم تكن موجودة ومعروفة في عصر السهروردي. من الناحية الفنية فإن المخرج كسر حاجز الزمنين الذي صنعته الستارة في عدة مرات، منها مشهد إعدام السهروردي حيث يبدأ الحديث مع الفقهاء خلف الستارة الذين يهمون بقتله، لكنه يقول لهم إنهم لن يقتلوه، بل سيقتله الأمير وينادي الأمير، ويخرج إلى مقدمة الخشبة فيجد الأمير هناك ينتظره ليقتله. مسرحيكا-أو أو الضربة القاضية من تأليف جميلة الشحي وإخراج نعمان حمدة، إنتاج المسرح الوطني التونسي، تبدأ المسرحية برجل وامرأة يجلسان على تباعد متقابلين وتطفأ الإضاءة المفتوحة، وتسلط على كل منهما إضاءة مركزة، فيبدوان عجوزين بعد أن دخلا المسرح شابين، وتتغير الإضاءة إلى زرقاء على كامل الخشبة، وتبدأ المرأة في ترديد عبارة سامحني.. سامحني وتتحرك بتثاقل في اتجاه الرجل الذي اتخذ هيئة مشرد، وقام من مكانه يجر قدميه مبتعداً عنها حتى يختفي، وتظل المرأة تطلب المسامحة وتتحرك على الخشبة، وتهذي هذيان عجوز مصابة بالخرف، فهي لا تعرف من هو ذلك الرجل، ولا من أين جاء، ولا إلى أين ذهب، ولكنها تتذكر أنه كان يضربها بعنف، وأنها هي أيضاً مارست عليه العنف، وتذكر أنه كان السبب في فقدانها لابنها الذي التحق بجماعة متطرفة، وتظل تدور بين طلب للسماح وذكريات مؤلمة. ويتغير المشهد فيدخل الرجل على هيئة المشرد التي خرج بها، ويتجه إلى هاتف عام معلق على الجدار فيرفعه، وتأتيه بيانات من جماعة إرهابية متطرفة تتوعد الناس بالويل والدمار والقتل المبيد، فيتركه إلى هاتف آخر يقدم نفس البيانات وثالث ورابع، وهكذا يتحول الفضاء من حوله إلى تهديدات وبيانات إرهابية، ثم تدخل امرأة شابة تطلب من الرجل العجوز أن يعلمها العنف، فيحاول صرفها، ويقول لها إنه لا يعرف العنف ولا يريد إلا السلام، لكنها تذكره بأنه كان ملاكماً محترفاً، وأنه قضى على عدة خصوم بالضربة القاضية، ويشتد الخلاف بينهما، فيطردها، ويمسك بها يجرها بعيداً عن مكانه، لكنها لا تلبث أن تعود، وتتحداه من جديد، وتتهمه بأنه هو السبب في التحاق ابنها بالجماعات المتطرفة، ولا بد لها أن تنتقم منه، وهي تريد أن تتعلم الملاكمة من أجل ذلك، ويتصارعان حتى يغلبها ويعلقها بسلسلة من حديد، ثم يضربها بشدة، وبعد أن تخور قواه وتهدأ نفسه، يتركها تنزل، وتفك وثقاقها من الحبل، وتأتي إليه، فيتعانقان، وتتحول الإضاءة إلى زرقاء خافتة ونشهد خيالهما، وهو يعلمها الملاكمة، تحت تسجيل صوتي يصف تونس بحلوها ومرها وخيرها وشرها بتناقضها وانسجامها، بجمالها ورداءتها، فكل ذلك هو تونس وهو إنسان تونس الذي ينبغي أن يعيش بحب وانسجام وسلام، وتناغماً مع فكرة الانسجام والحب والسلام، نشاهد البطلين جالسين يقول كل منهما للآخر، (حتّ أنا) (أي وأنا كذلك)، فكل منهما يصدق على تلك الأفكار ويريدها، ويريد أن يتقمصها، ويتقدمان إلى حافة الخشبة الأمامية فيجلسان عليها يتداعبان ويكرران تلك العبارة (حتّ آنا).