×
محافظة المنطقة الشرقية

سياسي / الطيران الإسرائيلي ينتهك الأجواء اللبنانية

صورة الخبر

مرة أخرى يقف العالم على أطراف أصابعه وهو يتابع شبح الحرب وعدم الاستقرار الذي خيم من جديد على شبه الجزيرة الكورية، بعدما أجرت كوريا الشمالية في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، اختباراً جديداً لقنبلة هيدروجينية. وإذا تأكدت صحة هذا الاختبار، فإنه سيكون رابع اختبار نووي تجريه بيونغ يانغ منذ عام 2006، وسيؤشر ذلك على تطور كبير في قدراتها النووية، الأمر الذي من شأنه وضع المجتمع الدولي أمام اختبار صعب للغاية في التعامل مع زعيم كوريا الشمالية الشاب كيم جونغ اون الذي احتفل مؤخراً بعيد ميلاده الثالث والثلاثين. الزعيم الذي تولى السلطة في نهاية عام 2011 ويعد من أصغر زعماء العالم، يبدو عازماً على ترسيخ قبضته على السلطة التي تولاها بعد رحيل والده، بكل السبل المتاحة، في ظل ظروف اقتصادية وإنسانية بالغة الصعوبة يعانيها شعب كوريا الشمالية. وفي مقدمة هذه السبل، استخدام سياسة حافة الهاوية مع المجتمع الدولي من خلال تطوير البرامج النووية والصاروخية، من أجل تحذير العالم من أن عدم الاعتراف بالنظام الحاكم في بيونغ يانغ دبلوماسياً ومد يد العون إليه اقتصادياً سوف يهدد وبشكل خطر، الأمن والاستقرار في بقعة حساسة ومهمة، وهي منطقة شرقي آسيا. وتزداد صعوبة الموقف الحالي الذي يواجهه المجتمع الدولي في التعامل مع كوريا الشمالية، بمن فيهم الحليف الأقرب والأهم لها، وهو الجارة الصين التي لم تكن على علم مسبق بالاختبار الأخير للقنبلة الهيدروجينية، في ضوء تأكيدات بيونغ يانغ المتكررة بأنها سوف تستمر في جهودها الرامية إلى تطوير قدراتها النووية والصاروخية لردع السياسات العدائية الأمريكية تجاهها، مشددة على أنها لن تكرر خطايا الرئيس العراقي السابق صدام حسين والليبي معمر القذافي، في التخلي عن برامجهما النووية استجابة للضغوط الأمريكية. صحيح أن المجتمع الدولي، ممثلاً في مجلس الأمن، سارع إلى التنديد بإعلان كوريا الشمالية إجراء التجربة النووية الرابعة، مشيراً إلى أن هذه التجربة تشكل تهديداً للسلام العالمي والأمن الإقليمي، إلا أن الكثير من المراقبين يشككون في قدرة المجتمع الدولي على التعامل الناجع مع أزمة البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ. حيث لا يبدو وجود إجماع من جانب الدول الكبرى على كيفية هذا التعامل وجدوى المنهج الحالي لفرض العقوبات على الكوريين الشماليين، في ضوء تأكيد الاختبار الأخير للقنبلة الهيدروجينية على عدم فعالية العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية منذ عام 2006. وقد ظهر عدم التوافق الدولي بشأن الكيفية الأنسب للتعامل مع استفزازات كوريا الشمالية في تباين مواقف الدول الكبرى المعنية بالأمر. ففي الوقت الذي تدافع فيه واشنطن، وحلفائها في طوكيو وسيول، عن اتباع منهج أكثر صرامة وتشدداً مع بيونغ يانغ من خلال التلويح بفرض عقوبات اقتصادية جديدة، والقيام برد عسكري قوي تجاه استفزازاتها، تتمسك بكين، وتؤيدها في ذلك موسكو، باتباع منهج التهدئة والتعاون مع كوريا الشمالية عبر المحادثات السداسية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحادثات تضم في عضويتها كل من: كوريا الشمالية والولايات المتحدة واليابان والصين وكوريا الجنوبية وروسيا. وتسعى إلى تحقيق عدة أهداف من بينها التخلص من البرنامج النووي لكوريا الشمالية مقابل التطبيع الشامل، والتوصل إلى اتفاقية لإنهاء الحرب الكورية، والتعاون الاقتصادي متعدد الأطراف، والتعويضات اليابانية عن مدة الاحتلال. ويؤكد الخبراء أنه طالما استمر هذا الاختلاف قائماً في الرؤى بين القوى الرئيسية ذات العلاقة بشبه الجزيرة الكورية، فسيكون من الصعوبة بمكان اتخاذ أي خطوات إيجابية ملموسة للحل السلمي والدبلوماسي لأزمة البرامج النووية والصاروخية لدى كوريا الشمالية. ويضيف هؤلاء بالقول: إن الصين والولايات المتحدة هما الدولتان الوحيدتان القادرتان على قيادة دفة التطورات في شبه الجزيرة الكورية نحو شاطئ الاستقرار، مشيرين إلى أن التعاون الأمريكي -الصيني هو السبيل الوحيد لوضع نهاية الأزمة المستعصية على الحل في شبه الجزيرة الكورية. إلا أن هذا التعاون لا يبدو محتملاً في المدى المنظور في ضوء الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وبكين بشأن المسؤولية عن التجارب النووية لكوريا الشمالية. حيث انتقد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي علانية وبوضوح استراتيجية الصين تجاه حليفتها كوريا الشمالية، مشيراً إلى أنه أبلغ نظيره الصيني وانج يي خلال مكالمة هاتفية أن جهود بكين لكبح جماح طموحات بيونغ يانغ النووية لم تعد تعمل وأن الوقت قد حان للجميع لضمان ألاّ تستمر هذه الجهود كالمعتاد. ومن جهتها، أكدت الصين عدم كفاية العقوبات وحدها.. وضرورة الحوار، معتبرة أن الاستراتيجية الأمريكية الحالية غير واقعية في تجاهل كوريا الشمالية، خاصة أن بيونغ يانغ مصممة على المضي قدماً على طريق الأسلحة النووية. وتأكيداً على الموقف الصيني الراغب في استئناف الحوار الدبلوماسي بين واشنطن وبيونغ يانغ، علقت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الرسمية على ادعاءات واشنطن بفشل بكين في كبح جماح طموحات حليفتها بيونغ يانغ النووية بالقول إنه على الرغم من أن نظام كوريا الشمالية اختار المسار الخاطئ للأمن، إلا أن الولايات المتحدة من ناحية أخرى التزمت كعادتها وبإصرار على اتباع سياسة عدائية تجاه كوريا الشمالية. ومن ناحية أخرى، يشير عدد من المراقبين إلى أنه ليس من المتوقع في المدى المنظور أن تأخذ واشنطن طريق الحوار والتفاهم مع كوريا الشمالية خاصة في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية، حيث اعتبر الجمهوريون في الولايات المتحدة التجربة النووية الرابعة لبيونغ يانغ فشلاً آخر، يضاف إلى السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما. وفي ضوء كل ذلك، تبدو الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي في التعامل مع كوريا الشمالية محدودة وضيقة. فالخيار العسكري مستبعد، على أقل تقدير في المديين القصير والمتوسط، لعدم وجود أي استعداد أو رغبة من جانب القوى الرئيسية في المنطقة لتبني هذا الخيار. وهنا تكمن العقدة، فلا سبيل سوى التفاوض مع بيونغ يانغ، حتى لا تصاب جهود المجتمع الدولي الهادفة إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية بنكسة خطيرة، وحتى لا تتجه بيونغ يانغ في المستقبل إلى المتاجرة ببرامجها النووية والصاروخية مع بعض الدول، أو الجماعات الإرهابية مثل داعش وغيرها، للحصول على احتياجاتها من العملة الصعبة. دروس التاريخ تشير إلى أن قادة كوريا الشمالية سوف يستمرون في عدم الإصغاء لمطالب مجلس الأمن الدولي بوقف أنشطتهم النووية والصاروخية، طالما لم يتم الاستجابة لمطالبهم ووضعهم في المكانة اللائقة كقوة نووية. فهم يدركون أن أقصى ما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي لن يتجاوز إصدار مجلس الأمن بيانات تدين تجاربهم، ويلحق بهم المزيد من العقوبات التي دللت وأكدت الوقائع الماضية أنها عديمة المفعول والتأثير. ولذلك، ربما يكون من الحكمة عدم وضع النظام الحاكم في كوريا الشمالية في الزاوية طوال الوقت، حتى لا يترتب على ذلك استمراره في ممارسة سياسة حافة الهاوية خاصة أن تجاهل كوريا الشمالية لم يعد مقبولاً أو واقعياً بعد الاختبارات النووية والصاروخية التي أجرتها مؤخراً. ومن هنا، يؤكد عدد من الخبراء ضرورة استئناف المحادثات السداسية في أقرب وقت ممكن للوصول إلى صفقة ما على غرار الصفقة الإيرانية. كما أنه من الضروري أيضاً الاهتمام بتشجيع الإصلاح الداخلي في كوريا الشمالية لأنه يبدو أكثر فعالية من الضغوط الخارجية في التأثير على سلوك النظام الحالي، على أن يتم ذلك بطرق لا تثير مخاوف هذا النظام من تدميره بوسائل غير مباشرة. ولن يتحقق ذلك إلا إذا استجابت واشنطن لمطالب كوريا الشمالية الخاصة بالتوصل إلى معاهدة سلام دائم، تؤكد حق بيونغ يانغ في الحصول على المساعدات الاقتصادية والتطبيع الدبلوماسي الشامل، والتعويضات عن مدة الاحتلال الياباني. خبير الشؤون الدولية والآسيوية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية abahy@ahram.org.eg