ظلت قرونًا عديدة مناط فخر وعز ومجد، وتبوَّأت منزلة عالية ومكانة رفيعة لم يحظَ بها غيرها، فتنافس فيها المتنافسون، فأعلت كثيرًا شأن مَنِ استمسك بها وأخلص لها. ولما شعَّت أنوار الرسالة المحمدية من بطاح مكة كانت هي الوعاء الأمين لحمل الرسالة الجديدة، وكانت هي اللسان المعتَمَد ليتنزَّل بها القرآن الكريم «بلسان عربي مبين». تلك هي اللغة العربية لغة الفصاحة والبيان، اللغة التي تميزت بخصائص قلَّ أن تتوافر في نظيراتها، اللغة التي تُعد من أقدم اللغات البشرية وأرسخها قَدَمًا، اللغة التي أثبتت بعض الدراسات (الغربية) الحديثة أنها واحدة من ثلاث لغات (العربية والإنجليزية والصينية) لها صفة الديمومة والبقاء. أخاطب هنا معالي وزير التعليم (الدكتور أحمد العيسى) واضعًا بين يديه مأساةً تعيشها اللغة العربية وتتولى كِبرَها مقرراتُ (لغتي الجميلة- لغتي الخالدة) في المرحلتَين الابتدائية والمتوسطة. لا محيد من الاعتراف بأنني كنت من المستبشرين بما يسمى (المُدخل التكاملي للغة العربية) وهو المُدخل الذي يهدف إلى تدريس اللغة العربية بوصفها وحدة متكاملة تقوم على نص لُغوي محكم، لا بوصفها فروعًا تحت ما كان يُعرف بـ(القواعد- القراءة- الإملاء..إلخ) غير أن معايشة الواقع والوقوف على المستوى اللُّغوي (المتدني) لطلاب المرحلتَين الابتدائية والمتوسطة يجعلني والكثير من المعلمِين والمشرفِين نرفع عقيرتنا مطالبِين بالعودة العاجلة للمقرر القديم (التفريعي) وهو المقرر الذي أعطى كل فرع لُغوي حقه من العناية خاصة على مستوى المادة العلمية، ولا أدلَّ على ذلك من مقررات (قواعد اللغة العربية) التي كانت تفي بأغراضها وتقدم للطالب مادة علمية مكتملة الأركان تجعله ملمًّا بها، قادرًا على تلقي مفرداتها التالية في المراحل المتقدمة، على وعي بماهيتها وكيفية توظيفها في مكتوبه ومنطوقه. تسأل اليوم طالب المُدخل التكاملي في نهاية المرحلتَين الابتدائية والمتوسطة مسألةً نحوية (بسيطة) فلا تجد لديه إلا علامات الحيرة والدهشة المنتهية بالعجز التام، وهو الأمر الذي لم يكن لدى طلاب مقررات المدخل التفريعي المعمول به سابقًا. ما يمكن الإشارة إليه في المقررات الحديثة هو عنايتها بكمِّ التدريبات والأنشطة التي تَستهلك الكثير من الجهد والوقت، في المقابل جعلت هذه المقررات من قواعد اللغة العربية (النحو) مَسْخًا؛ ذلك أنها قدَّمتها ناقصة غير مكتملة في مادتها العلمية، ثم عمدت إلى تفتيتها تحت مسميات كـ (الصنف اللُّغوي- الوظيفة النحوية- الأسلوب اللُّغوي)، ومن أراد الاستزادة فليعد إلى مقالي المعنون بـ»الوهن يضرب قواعد النحو!». معالي الوزير، اللسان العربي لدى طالب اليوم وقع ضحيةَ تجربة الله أعلم بمقصودها، وضحيةَ إصرار المؤلِّفِين على رؤيتهم غير الدقيقة. هذه صرخة مدوِّية يبعثها الغيورون على هذه اللغة السامقة علَّها تصل إلى سمع معاليكم فيعمل مشكورًا على تدارك الأمر وإعادة الأمور إلى نصابها. Mashr-26@hotmail.com