مع اقتراب التوسع في اقتصادات الدول المتقدمة من نهاية عامه السابع، يصبح انشغال الأسواق العالمية بهاجس الهزات الطارئة أمرا مفهوما ، سواء تجلت تلك الهزات في أسواق الأسهم الصينية أو في ركود محتمل في الاقتصاد الأمريكي أو في مخاطر تصاعد التوتر الجيوسياسي العالمي. لكن الهبوط الذي شهدته مؤشرات الأسهم الصينية مع بداية العام ،وتصاعد حدة النزاع الإيراني السعودي، جعل من السهل استبعاد احتمالات المفاجآت السارة كأن يسجل اقتصاد منطقة اليورو معدلات نمو تفوق توقعات المستثمرين الراهنة. ولا شك أن توقع قيام صناع القرار السياسي في منطقة اليورو بصنع المفاجآت السارة لا يزال أمراً صعباً. أما سقطات سياساتهم فهي المفضلة. ويبدو أن مرونة السياسة النقدية والتشدد في السياسات المالية هي التوليفة المرجحة في ظل أزمة اللاجئين. كما أن اليورو الضعيف رغم الفائض القياسي في الميزان التجاري الحالي، يساعد على تعويض خسائر المصدرين الناتجة عن تراجع أداء الاقتصادات الناشئة. وخلافا لما هو عليه الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يوجد في منطقة اليورو قطاع طاقة تنهكه أسعار النفط المنخفضة، وهذا يعني أن الأوروبيين ينفقون على شلال من الطاقة الرخيصة أقل بكثير مما ينفقه نظراؤهم الأمريكيون. وحقيقة الأمر أن الاقتصاد الأوروبي ينمو على حساب الاستهلاك المحلي ،بفضل تحسن معدلات التوظيف.وحتى القطاع المصرفي الأوروبي غير المستقر بدأ بمنح القروض من جديد. ولعل أوضح مثال على هذه الصورة الوردية نجده في ألمانيا. فقد حقق إنفاق القطاع الخاص نمواً بنسبة 2% العام الماضي ، وهي أعلى نسبة منذ 15 عاماً. وسجلت كل من معدلات الوظائف والأجور في ألمانيا نموا لافتاً، حيث يتوقع البنك المركزي زيادة في معدلات الدخل المخصص للاستهلاك بنسبة 3% هذا العام. أما توقعاته بخصوص فائض الميزانية الذي بلغ عام 2015 حوالي 21 مليار يورو، فتقول إنه سوف يتراجع إلى الصفر. وفي الوقت الذي تشير معظم التوقعات إلى تراجع حركة الصادرات هذا العام ، إلا أن التباطؤ في التجارة العالمية يتم تعويضه من خلال ارتفاع حجم الطلب الأمريكي، إذ يبدو أن نسبة النمو الكلية في الاقتصاد مرشحة للارتفاع من 1.5% إلى 2% هذا العام. ولا يمكن لأحد توجيه اللوم للبنك المركزي الأوروبي حول توقعاته المتفائلة الخاصة بالنمو في منطقة اليورو والتي حددها عند 1.5% لعام 2015 و1.7% عام 2016 و1.9% عام 2017. وفي حال ارتفعت معدلات النمو فمن المؤكد أن البنك المذكور سيتحول إلى سياسة أكثر تشددا في النصف الثاني من العام. وقد كشف تقليص قيمة اليوان والهزة التي تعرضت لها أسواق الأسهم الصينية في الصيف الماضي ، والمحاولة غير المجدية للحكومة بالحفاظ على تماسك الأسهم، إلى أي مدى يمكن للصين أن تؤثر في بقية دول العالم. ويبقى خطر حرب العملات ماثلاً في حال اندلاع موجة تخفيض جديدة تلجأ إليها البنوك المركزية ، وهو ما يدفع باتجاه مزيد من التقوقع والحمائية. ورغم وجود ما يبرر التشاؤم إلا أنه لا بد من التمييز بين ما هو مرحلي وما هو أساسي في رسم الصورة الوردية. صحيح أن المشكلات الأساسية التي يعانيها اقتصاد منطقة اليورو لا تزال قائمة، لكن هناك الكثير من الفرص أمام المستثمرين.