نوف الموسى (دبي) نظمت ندوة الثقافة والعلوم بدبي، مساء أول من أمس، قراءة جمالية وتطبيقية فـي كتاب «ترجمة النفس.. سيرة السيرة الذاتية في الأدب العربي»، قدمها الأديب محمد المر، بوصفه القاص الباحث عن التفصيلة الإنسانية في الحكاية، وآليات تدوينها في الصياغة الاجتماعية والثقافية، منبهاً إلى أهمية كتب السيرة العربية، في المكاشفة التاريخية تجاه الحث على القراءة والتدوين، بينما أثرى علي بن تميم، مدير مشروع «كلمة» للترجمة، جانباً من المظاهر المتباينة بين التقاليد العربية والغربية، في كتابة السيرة الذاتي. وأشار إلى أن الكتاب يلفت النظر إلى العمل الجماعي لعشرة باحثين، اهتموا بدراسة الأدب العربي، حيث توفقوا فيه عند قرابة الـ140 نصاً، ليتجاوز طرحهم منظور النظرة المركزية، من تعتبر أن السيرة الذاتية، مقتصرة على الحضارة الغربية، مستدلاً بأطروحة محمود رجب في كتابه «المرآة»، أن الإنسان صار أكثر تأمل لذاته بعد انتشار المرايا، ما جعل سؤال السيرة الذاتية العربية، وانعكاساتها، يجسد التساؤل الضمني لدى حضور الندوة، في كيفية الاستفادة العملية من السيرة الذاتية، كممارسة معرفية مفقودة، في الدراسات العربية، أو ما يعرف بـ«ترجمة النفس»، القادرة على فتح أفــق الإنتــاج الأدبــي، وتوسيع فضاءات اكتشاف الذات. وأدار سلطان صقر السويدي، رئيس مجلس إدارة الندوة، مناقشة الكتاب، الصادر عن مشروع «كلمة» للترجمة، والهادف إلى بيان الامتداد العميق لأدب السيرة الذاتية العربي. واللافت خلال مناقشة مضامين الكتاب، ما أوضحه محمد المر، عن وقع مرجعيته القصصية، التي قادته إلى إحدى روايات الكتاب للمؤرخ عماد الدين، أحد أهم مؤرخي الدولة الأيوبية، وما دونه عن إحدى الغزوات التي قادها صلاح الدين الأيوبي، نحو عسقلان، ليسردها محمد المر، كالحكاية بأبعادها الروائية، منتقلاً من المنولوج الداخلي للمؤرخ، إلى مخيلة المتلقي، بتوضيحات تشير إلى الخوف الذي انتاب المؤرخ وقتها، وعدم رغبته في المضي قدماً نحو المشاركة في الغزو، كونه صاحب قلم لا صاحب علم، صنفها المر أنها تندرج ضمن أدب الاعتراف، لتأتي مدخلاً لإجابة المر حول مشروع كتابته لسيرته الذاتية، واعترافه الشخصي، الذي أبداه كقاص، بخيانته لأصدقائه، وسرده لتفاصيلهم بأسماء شخصيات وأبطال قصصه، منوهاً أنه من خلال إنتاجات الأدباء، فإن هناك تمريرا لكثير من تلك الحكايا، التي تحمل بين جنباتها سيرة الأديب نفسه. في عمق تجليات الدراسة (التطبيقية) للكتاب، التي قدمها علي بن تميم للسيرة الذاتية لحنين بن إسحاق، من خلال بيان المؤثرات البنيوية لسيرة حنين، وإكراهات الكتابة، أوضح علي أن الكتاب يثير فكرة الذات والخجل من الحديث، في محاولة لبيان سمات ودوافع كتابة السيرة الذاتية، المنبثقة من داخل الموروث السيري العربي، وأن كلمة (سيرة) أطلقت للمرة الأولى على سيرة حياة الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام. واقترنت لفظة السيرة بعد ذلك بالشعبية، ذات الأدب القصصي الطويل. وجاء النظر في كلمة (ترجمة)، التي استخدمها العرب، وبحسب الدراسات فإن أول من تعاطى معها بمعنى، هو ياقوت الحموي، في «تاريخ الحياة الموجزة»، ويرى مؤلفو «ترجمة النفـس.. سيرة السيـرة الذاتيـة في الأدب العربي»، كما لفت علي، أن مصطلح الترجمة الخاص بالإنسان ينطوي على ثلاثة أفكار مركزية ومتداخلة وهي التفسير والتأويل والتحويل والتقسيم. توقف الكتاب في المقدمة عند سيرة السيوطي واعترافات القديس أوغسطين، وتتم فيها المقارنة السريعة بين منظورين مختلفين للسيرة من حيث الدوافع والرؤية، كما ناقش الكتاب موقف كل من فرانتس روزنتال وجورج ميتش من السيرة الذاتية العربية. وأشار علي بن تميم إلى أن الكتاب يقدم آراء الدارسين والاختلاف في تحديد بدايات السيرة الذاتية، ما شكل صعوبة في وضع تعريف، للسيرة الذاتية، في خضم التعارض، الذي تشهده التعريفات الغربية. وبين أنه من الطريف أن يعتبر روزنتال أن سيرة الحارث المحاسبي 243 هجرية، هي أقدم سيرة روحية عربية، في حين تشكل سيرة حنين بن إسحاق 264 هجرية أقدم سيرة دنيوية عربية.