قال لي أحد المحدثين: إنني تعرضت في حياتي إلى الكثير من المنغصات، بل أحياناً ما ظننته مأساة أو كارثة لي على المستوى الشخصي، ولكنني كنت لا أملك حينئذ إلا أن أذعن للقضاء والقدر وأؤمن بأن بعض الضرر أهون من البعض الآخر فقلت لمحدثي، كلنا قد يتعرض لهذه المواقف، ولكنني أصدقك القول إن أحد الأصدقاء كان يقول لي: لقد تعرضت لمواقف في مرات كثيرة وكنت تجاهها هادئاً، وأعلم بأن الأمر لم يكن من الممكن تلافيه.. وقد تحتاج في مثل هذه المواقف لمن يواسيك ويأخذ بخاطرك.. فنصيحتي لمن يتعرض لهذه المواقف أن يتذكر إنها ستصبح ذكرى وقد تفيدنا في دروس نتعظ منها، وإذا تكرر ذلك فإن صداه سيكون أهون من صدى الموقف لأول مرة، فنحن ولله الحمد نملك قدرة التكيف لمثل هذه المواقف التي تتطلب منا أيضا أن نكون أكثر حكمةً وعقلانيةً وتبصراً، وأن نمعن النظر فنفكر ونخطط ونضع الأمور أمام أعيننا، لنتجاوز كل ما يسبب لنا الأذى والشر.. تذكرت هذه المواقف، وأنا أجيل طرفي في وضعنا الإقليمي والدولي إذ أننا أصبحنا نعيش في أجواء غريبة الأطوار، وأشياء لا تصدق ويشيب لها الرأس، فمن تحسبه صديقاً تفاجأ بأنه لا يحمل في قلبه واجب الصداقة ومن تحسبه مواطناً له حقوق وعليه واجبات وإذا هو يدير وجهه للوطن وينسى حق المواطنة عليه، وقد تجد من لا يخطر على بالك، وهنا طبعاً يحكم هذه التصرفات القانون والعرف، والتقاليد والقيم ولكن علينا أن نكون متيقظين وواعين تماماً لما يأتي من الخارج من دسائس ومؤامرات، وهذه التحديات تتطلب منا أن نكون صفاً واحداً وان ننسى كل المنغصات العادية في الحياة لان الوطن، أمنه واستقراره، والمواطنين أمانهم وصون حريتهم وكرامتهم وعيشهم أهم عند قيادتنا الحكيمة والمخلصين من أبنائنا من أي شيء آخر، فليس هناك شيء يعدل الأوطان، وليس هناك أعز وأغلى من الأمن والأمان في أوطاننا. وشتان ما بين الأحداث البسيطة العرضية الشخصية وبين تلك التي يخطط لها وترسم حولها ومن فوقها وتحتها المؤامرات والدسائس، ومن هنا يتوجب علينا أن نكون في صف واحد، ندافع عن حقنا، ونذود عن حياضنا، ولا نتهاون في تحقيق مكاسبنا الوطنية. حدثنا الاجداد والآباء عن مواقفهم تجاه من يناصبهم العداء، فقد كانوا على قلب رجل واحد، ورغم تواضع إمكانياتهم، فقد كان إيمانهم بالله وإيمانهم بالوطن هو الذي جعلهم يقفون جميعاً أمام كل من يريد بهم شراً ومكروهاً وهم حتى عندما شحت الظروف نتيجة للحروب الكونية الأولى والثانية كانوا يتدبرون أمورهم بالتعاون والتضحيات والكل الذي عاش في تلك الفترة يتذكر ما أسموه بسنة البطاقة عندما كانوا يتلقون مؤونة بيوتهم وعائلاتهم بالبطاقة التموينية. وعندما واجهوا الأمراض التي أودت بالكثير تفاءلوا بالخير بأن يزيح الله عنهم هذه الغمة فأسموها بسنة الرحمة. وعندما واجهوا إعصار البحر ولقى الكثير من رجال البحر مصيرهم المحتوم فيما سمي بسنة الطبعة كانت مجالس العزاء مفتوحة للجميع واسوا بعضهم بعضا، وكان كل بيت تقريباً به مأساة فقد عزيز، ولكنهم كانوا صابرين ومحتسبين. وهكذا كانت كل مواقفهم فيما تعرضوا له من كوارث ونكبات ومحن، وظل الوطن هو العزيز وظل الناس والمواطنون هم الغاية والهدف من أجل استقرارهم وأمنهم وضمان عيشهم وتأمين مستقبلهم، وأحسب أننا جميعاً إن شاء الله كمخلصين لهذا الوطن نسير على هذا الدرب الذي لا مندوحة عنه ولا تواني ولا تراجع، ودونه ترخص الأرواح والمهج.