سنبقى هنا إذن حيثما تزهر المسافات والعمر انتظاراً، حيثما تقتضي الحاجة أن نكون أكثر عند آخر فاصلة يمكننا تجاوزها في معترك الدهشة الأولى. لن يسرقنا الحديث الجانبي، والمزيد من المجاملات، واستجداء الزهرة، أناملنا تقطفها قبل الأوان. سنبقى هنا إذن حتى يدنو منا الجرح رويداً رويداً، ونكون مداه الأخير. لهذا السبب الأخير نتدفق في تشابهنا ولن نكبر، نتعلم من الحزن كيف يكون قامة صغيرة، وبإمكان أحدنا أن يتفقّده كلما وضعنا جرحاً في بيتنا سقيناه، كلما اكتمل.. انتهى الماء. على كفنا الوقت سنبقى هنا سنبقى هنا، دون أن يكترث بنا الوقت. سنحفظ للحزن قامته الصغيرة، للفرح الآن كل حضوره اللازوردي في أرواحنا، وللطريق حكاية من خلف المواعيد تشق الصمت، على الأشياء أن تنسى كينونتها. سنبقى لنغادر حيث الأمكنة صدفة تبحث عنا حتى لو لم نكن. لا تلهينا جموع الحزن جموع الفرح بالقلب تأويل يشيّع أغراضنا المتلفة، غرف الحكايات، أشياؤنا الكائنة، سراديب الكلام، كأنهم البحر يعبرون الكائن فينا، يسبقون الأثر بالرقص بجرح بدحرجة الدوائر. سنبقى هنا، لنمعن كثيراً في خربشات الجدار، سنصغي لها جيدا، كل الخطوط المتعرجة هي غيابنا ... وحضورنا المقيم اشتهاءاتنا التي غادرت الوقت عند الهزيع الأخير... من هنا مررنا وكان احتراق العمر بلا انتهاء، سنبقى هنا لنسرّج خيل الحكاية والوجع الأخير. نبقى في أقدارنا العظيمة كوهج الخلود مشتهى العمر في رغوة الموج يتكرر، يتجدد، خيلا لمآدب العنفوان، لا تحزن، مثل جناحينا نتكسر ونحلق نغزل من الحزن ضحكة، من السعفات نصنع أجسادنا، نتساقط في علونا ولن نتأخر عن موعد الرمل، نحن الرواء أعلى أعلى الجرح.. نحلق كنورسين خانتهما مواعيد الموج والبحر، ننسج الحلم من فم الغيم، نراوح ما بين الموجة والموجة مسافة للفرح، وأغان للغياب.. وما بين الغيمة والموجة والبحر سر التماهي والغواية وانتشاء النوارس حين توغل فينا، وتغسل بالبياض أرواحنا كنجمتين.. كأننا المشي المحلق راقصاً في ضوئنا نشدّ عضد الوقت، نحن على البساط نرتكب الفوضى لا يهم كم من زمن حاصره الغياب، لا تلتفت، هناك عيوننا ترانا لا تطيق النظر إلينا كل الوقت لنا هزيمة كمانا عازفاً، لحناً عصياً، نحن انتشاء الأمكنة، ملاذ البحر، شرود الرسو، سهو الموج، لا تبالي، هذه أناملنا تعزف بين موجتين.