على ساحل جزيرة ليسبوس اليونانية، كان المصوّر الإرلندي إيفور بريكت، يلاحق بالعدسة قارباً مطاطياً بعيداً يتماوج وسط المياه وعلى متنه على الأرجح عدد من اللاجئين السوريين وهم في طريقهم الى اليابسة. الى جانبه، وقف زميلان صحافيان له كانا يعدان برنامجاً عن «وسائل الإعلام والحرب»، وقد شرعا في حديث بينهما عن مدى صحة نقل صور الغرقى وجثث الموتى الواصلة الى هناك من الناحية الإنسانية! استنجد أحدهم بفعالية صورة الطفل إيلان الكردي، على رغم قساوتها، في تغيير طريقة مناقشة الغرب حالة اللاجئين الواصلين إليه بعد إهمال طويل عانى منه كثر من البشر. في المقابل، شدّد الثاني على الأذى والألم اللذين سببتهما لأهله بما يتعارض مع أخلاقيات المهنة الصحافية. أفضى حوارهما في النهاية، الى سؤال محيّر يتعلق بالفكرة التي تجيز نقل بشاعات الحرب وتصوير ضحاياها إذا كان هدفها جيداً وتُنقل الى العالم بأسلوب جيد؟ للتحقّق من هذه المقاربة الإشكالية، سأل البرنامج التلفزيوني المصور الفوتوغرافي بريكت، المكلف بتصوير حالة مهاجري القوارب الواصلين الى السواحل اليونانية لـ «ويب» منظّمة إغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عن إمكان نقل وقائع الحروب ونتائجها التدميرية بأسلوب جيد، «هذا ما أحاول فعله هنا، فأنا أركز على تجسيد اللحظات الإنسانية من خلال التقاط الألم الطافح على وجوه الهاربين من الحرب في سورية على أمل الخلاص منها، وأعترف على رغم مكوثي في المنطقة وتغطية حروبها، بأني مصوّر حربي لا أصلح لنقل ما يجري في جبهات القتال، بل أفضل الخطوط الخلفية حيث قوة الصورة الملتقطة هناك تأتي من قوة المشاعر وليس من فظاعات الحرب المباشرة». ويقدم للبرنامج بعض أعماله، ومن بينها صورة التقطها لأب سوري احتضن طفله بقوة حالما نزل الى اليابسة. «حين قربت عدستي منه، رأيت دمعة قد سقطت من عينه لم أنتبه إليها من بعيد، لكن ومع اقترابي منه شعرت بمدى الحزن الذي يعتري هذا الأب الهارب مع طفله من الموت». هذه الصورة يعتبرها الإرلندي أكثر تعبيراً من صور الجثث المتناثرة على الساحل، ويجد في أكوام سُتَر النجاة من الغرق المكومة تلالاً على السواحل تعبيراً صارخاً عما يجري داخل سورية، «في ظل صعوبة دخولنا الى هناك، تصبح الصورة الملتقطة هنا بمثابة شهادة حية عما يجري من فظاعات هناك»!. يبقى منظور المصور الإرلندي من خارج المكان المخرب، لهذا لجأ البرنامج التلفزيوني الى سوريين معنيين بصورتهم في وسائل الإعلام، ومن بينهم إيمان ابراهيم التي ركبت البحر من تركيا الى اليونان واستقرت بعدها في أوروبا. توقفت الفنانة السورية عن أخذ الصورة واستبدلتها بالرسم والكاريكاتور، «أعبر عن أفكاري بالرسم في شكل أفضل. كما أني لا أريد إضافة صور أخرى الى الكم الكبير الموجود منها على صفحات الإنترنت». وعن تجربتها في رسوم الكاريكاتور أثناء مشاركتها في التظاهرات السلمية في سورية، تقول: «التظاهرات التي خرجت في كفرنبل كانت تريد توصيل مطالب الشعب الى العالم، وقد كتبنا بعض اللافتات المرفوعة خلالها بالإنكليزية، بعدها تولدت لديّ فكرة الاشتغال بالكاريكاتور لكونه وسيلة ولغة فنية يفهمها العالم كله تقريباً، ومنذ ذلك الحين أواصل الرسم». موقف جماعة «أبو نضّارة» السينمائية من الصورة المنقولة عن سورية والسوريين، أكثر وضوحاً وتجد معظمها، بخاصة التي تبرز المشاهد الدموية والقتلى في الشوارع، مجيرة لأغراض سياسية ودعائية ولا تهتم كثيراً بصورة الإنسان السوري خارج إطار مصالحها. وكما قال المتحدث باسم الجماعة التي تأسست العام 2010، شريف كيوان، للبرنامج أثناء مقابلته في نيويورك: «أرادت المجموعة نقل صورة واقعية للحياة اليومية في سورية. صورة مغايرة لتلك النمطية التي يقدمها النظام وإعلامه الرسمي». يعرض البرنامج نبذة عن المجموعة التي استلهمت نموذج السينمائي الروسي دزيغا فيتروف، مؤسس لسينما الواقع «العين - السينمائية» منذ العشرينات. استطاعت المجموعة السورية تقديم أفلام قصيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وصلت في مرحلة معينة إلى عرض فيلم قصير كل يوم جمعة، ووصفت منجزها بـ«سينما الطوارئ». تركز المجموعة في أعمالها البصرية على مستويين سياسي وجمالي. غايتها التخلص من الصورة النمطية المنقولة عن السوريين والحرب، أما هاجسها فإبراز قيمة الإنسان السوري في المقام الأول. وعن هذا الجانب، يسأل كيوان معد البرنامج «هل رأيت جثث ضحايا 11 سبتمبر؟ لا، إذ هناك قيم واحترام للإنسان على عكس سلطتنا التي تريد نشر صور القتل والدم لمصالحها السياسية». يشيد «وسائل الإعلام والحرب» بمستوى عمل المجموعة، ويقدّم مشاهد من أفلامها بصفتها صوتاً معارضاً للسلطة واعياً لدوره الفني والإبداعي. فأفلام «أبو نضّارة» تنطق الحقيقة بجماليات سينمائية، وتعرف جيداً مسؤوليتها الأخلاقية على رغم «حالة الطوارئ» التي تعمل بها، وربما في ذلك بعض الأجوبة عن أسئلة البرنامج.