واشنطن: مارك فيشر وكريغ تيمبرغ* كانت ابنة جولي بيليفو، البالغة من العمر 16 سنة والتي استخرجت أخيرا رخصة قيادة، في طريقها من منزلها الكائن في أشبورن بولاية فيرجينيا لمقابلة عمل في الليلة التالية، غير أنها سارت في الطريق الخطأ تماما، حيث وجدت نفسها في ليسبرغ. وبمزيج من الإحباط والخوف من أن تكون قد أضاعت المقابلة، اتصلت بوالدتها، التي قامت على الفور بتشغيل برنامج التتبع الخاص بها. تقول بيليفو: «كل ما فعلته هو أن قمت بتشغيل هاتفي، وعلى الفور استطعت معرفة المكان الذي توجد فيه ابنتي». ثم قامت الأم بإرشاد ابنتها إلى المكان الذي ستجري فيه مقابلة العمل، وبالفعل استطاعت الابنة الحصول على الوظيفة، مما يعني أن هناك فضائل كثيرة لأنشطة المراقبة. غير أن بيليفو تقول إنها لن تستخدم برنامج التتبع أبدا، إلا إذا حدث ذلك بطريق المصادفة، لمعرفة الأماكن التي توجد فيها ابنتها، لأن ذلك، كما تصفه بيلفيو، «سيكون بمثابة اعتداء على حرية ابنتها الشخصية». ووسط ما جرى كشفه هذا العام من قيام الحكومة الفيدرالية وأجهزتها بتتبع ومراقبة تحركات واتصالات الكثيرين على مستوى العالم، يبدو الأميركيون غير مرتاحين للمدى الذي وصلت إليه أنشطة المراقبة، إلا أنهم، في الوقت نفسه، يلجأون إلى استخدام أجهزة التتبع في حياتهم الخاصة، حسبما كشف عنه استطلاع حديث أجرته «واشنطن بوست». ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على نيويورك وواشنطن، أصبح من الصعب تمييز الخط الرفيع الذي يفصل بين الحرية والأمن. وقد ساهمت الفتوحات الهائلة في تكنولوجيا المعلومات في تعزيز تكتيكات محاربة الإرهاب وجعلها أكثر قوة، وأوسع تغطية للأماكن التي يراد مراقبتها، وأكبر قدرة على النفاذ إلى البيانات والمعلومات بشكل أوسع مما فعلته الولايات المتحدة في السابق. وفي الوقت نفسه، تغيرت العلاقة بين العملاء والشركات بشكل كبير، حيث أعطت الهواتف الجوالة وأجهزة تحديد المواقع الجغرافية (GPS) ومحرك البحث «غوغل» و«فيس بوك» قدرة أكبر على تتبع سلوك العملاء. وخلال أشهر هذا العام ومنذ أن قام إدوارد سنودن، الذي كان يعمل متعاقدا لدى وكالة الأمن القومي، بتسريب وثائق سرية تكشف تفاصيل برامج المراقبة الأميركية، أصبح من الواضح أنه لم يعرف حتى الآن على نطاق واسع القواعد المقبولة الخاصة بمن الذي يجوز له مراقبة أشخاص بعينهم ومتى تصبح عملية المراقبة مبررة. وقد أظهر استطلاع «واشنطن بوست» أن آراء الأميركيين تجاه أنشطة المراقبة مختلفة، حتى إن نتائج العينة التي شملها الاستطلاع تبدو كأنها شخص واحد فقط مرتبك. أظهر الاستطلاع أن هناك سبعة من بين كل عشرة أميركيين قلقون بشأن كم المعلومات الشخصية التي يسمح لوكالات الاستخبارات والشركات الخاصة بجمعها، غير أن 70 في المائة من الآباء (40 سنة فما فوق)، الذين شملتهم عينة الاستطلاع التي شملت أيضا مراهقين، قالوا إنهم يراقبون المواقع الإلكترونية التي يزورها أبناؤهم. كما أن الكثيرين منهم يراجعون الرسائل النصية والبريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الأبناء. كما نوه عدد قليل من الأميركيين بأنهم يتتبعون تحركات الزوج أو الزوجة، بالإضافة إلى استخدام الفيديو لمراقبة الآباء الطاعنين في السن. وينتمي زاكاري تومسون (30 سنة)، من شمال فيرجينيا ويعمل في حقل التكنولوجيا، إلى الفريق الذي يكره أنشطة المراقبة التي تقوم بها الجهات الحكومية، بيد أنه على الجانب الآخر يستخدم الكثير من أدوات المراقبة في حياته الخاصة. وكان تومسون، الذي يمتلك شركة لتقديم خدمات الإنترنت تسمى «شبكات الألياف الصفراء»، قد وجد نفسه مضطرا لتسليم بيانات عن عملاء شركته نزولا على أوامر قضائية. ويعلق تومسون على ذلك بقوله: «لنكن صرحاء، هذا الأمر سيئ للغاية لأنك لا تستطيع أن تفعل شيئا». غير أنه عندما يتعلق الأمر بابنته، التي لم تتجاوز العامين بعد، يخطط تومسون حاليا لتتبع تحركاتها بطريقة لم يتخيل وجودها الآباء الذين عاشوا قبل جيل كامل من الآن. ويحتج تومسون وآخرون بالقول إن علاقة الوالد بطفله تختلف تمام الاختلاف عن علاقة الحكومة بالمواطنين. ويضيف تومسون: «إنني أنتظر ذلك اليوم الذي تصل فيه إلى السن التي ينبغي حينها استخدام برنامج حماية (firewall) لمراقبة كل ما تفعله. إنها ولا شك مسؤولية الوالد». وفي أشبورن، الحي الذي يقع في شمال فيرجينيا والذي يشهد تنمية عمرانية زادت من مساحته بفضل الازدهار التكنولوجي الذي حدث في مقاطعة لاودون في تسعينات القرن الماضي، حلت مراكز المعلومات الضخمة محل المزارع على طول الطرق الطويلة التي كانت تحمل طابعا ريفيا في السابق. وقد عايش سكان أشبورن شبكة الإنترنت واستخدموها في أعمالهم منذ أن أصبحت معروفة على نطاق واسع، غير أنه تبقى الحقيقة أنه حتى في أشبورن وفي أحيائها الراقية وشركات التطوير العقاري الموجودة بها، التي تعتمد بشدة على مراكز المعلومات، يصارع السكان فكرة كيفية التمييز بين أنشطة المراقبة المفيدة والتطفل غير المقبول على المعلومات الشخصية التي تقوم بها وكالة الأمن القومي والشركات الخاصة، فضلا عن أنشطة المراقبة التي يقوم به أفراد العائلة. وتختلف الآراء غالبا بشأن أنشطة المراقبة، لا سيما فيما يتعلق بالجهة التي تقوم بتلك الأنشطة ومدى وضوح الغرض منها؛ فعلى سبيل المثال، لا تعارض بيليفو أنشطة المراقبة التي تقوم بها الحكومة لاكتشاف الإرهابيين المحتملين، حيث إنها تعتقد أن الأشخاص البريئين ليس لديهم ما يقلقون حياله. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»