عندما تخطئ تنفتح بوابة الفوضى على أبواب كثيرة، لم تكن مهيأً لها أن تُفتح بهذه الطريقة، في ظل أنك قد تكون ارتكبت هذا الخطأ دون قصد أو تعمد، ولكنك وجدت نفسك ذاهباً إلى فوضى غير محسوبة.. ومن الممكن أن تمتد وتأخذ معها كل الإضاءات الثابتة إذا لم تُسارع إلى الخروج منها بالتراجع إلى بداية النفق، الذي لايفضي داخله إلى شيء! من الطبيعي أن تخطئ، وهذا أبسط خطأ.. لكن الخطأ الأعظم هو أن ترى نفسك منزّهآ عن الخطأ، متجاوزاً طبيعة الإنسان الذي يخطئ لكن يعمد إلى تصحيح هذا الخطأ بالاعتراف به على الأقل أمام نفسه.. وهذه بداية التصحيح..! يخطئ لأن من لا يخطئ لن يعرف مفهوم الخطأ الذي هو في الأصل مرآة تكشف له عن الرؤية الصحيحة، وتمنحه حوافز التعلم وتعديل تلك المصطلحات البائدة التي اعتاد عليها"أنا لا أخطئ" لينتقل إلى "أنا أخطيئ إذن أتعلم"..! حيث إنه لايوجد شخص لايخطئ لأن الخطأ هو الاحتكام إلى التجربة التي تقودك إلى ماتستطيع ضبطه ومراقبته..! تخطئ لتكتشف نفسك "لأن من لايرتكب خطأ أبداً لا يكشف عن شيء أبداً" ذلك أن الخطأ هو المجهر وإن كان تكراره أسوأ من الجهل؛ لأنه يبقيك بإرادتك في دائرة الفراغ وقواسم عدم التعلم من التجربة "يقول موليير" أفضل الأخطاء أقصرها..! هذه المساحة للخطأ أنت من يحددها وليس غيرك، ستختصرها إذا تعاملت معها باعتبارها محطة قطار تمتلك وقتك لتغادرها..! أما إذا تماديت في ذلك الخطأ من خلال تجاوز إصلاحه رغم كل الفرص المتاحة أمامك، فانت تُصر على البقاء في دائرة السقوط، لأن الخطأ مهما كان فادحاً هناك فرص تمكنك من إصلاحه ذلك أن السقوط ليس هو الخطأ ولكن البقاء فيه هو الخطأ الأكبر..! لكن كيف تستطيع تجاوز أخطائك خاصة إن كان عليك احتمال دفع أثمانها عندما يكون الخطأ متعلقا بالآخرين..؟ أو متعلقا بك وترفض الاعتراف به في ظل أن أغلب البشر يرفضون الاعتراف بأخطائهم كبداية تصحيح لكن أيضآ كيف لهم أن يقبلوا اللوم عليها؟ يقول "جوناثان سويفت"يجدر بالمرء أن لا يشعرمطلقاً بالخجل من الإقرار بخطئه، لأن هذايعني أنه اليوم أكثر حكمة من الأمس..! وعادة من يقر بالخطأ يتحمل اللوم، لكن لماذا لانقبل اللوم على أخطائنا؟ فسر العلماء في معهد"علم الاعصاب الإدراكي"بكلية لندن الجامعية السبب هو بطء تقبل واستجابة الدماغ لنتائج الأفعال الخاطئة والسيئة بالمقارنة مع الأعمال الناجحة ما يسبب صعوبة تقبل اللوم وتحمله عن تلك الأخطاء في بدايتها، يرجع ذلك لبيولوجية وتركيب الدماغ وقلقه من إدراك تبعات ونتائج الأخطاء التي وقعت واضطراره إلى التعامل معها لاحقآ مايجعلهاعبئاً إضافياً عليه فيقوم بمحاولة رفض الأمر وتأخير تقبله من البداية وخلق تبريرات لتصرفه في مواجهة ذلك والتي تخرج بصيغة دفاع الشخص عن نفسه في تفسير إقدامه على أفعاله الخاطئة.. لكن هذه العملية لا تستمر طويلآ حيث يعود الإنسان وفي خفايا نفسه لاحقاً إلى إدراك خطأ ما فعله ولكن اللاختلاف بين الأشخاص في ذلك فيما يبدو هو الاعتراف علانية بذلك..! وما بين هذه المنظومة الداخلية للإنسان والتي يبدو معها"كالقمر له جانب مظلم يحاول إخفاءه" كما يقول مارك توين.. يظل هو أيضاً محتوياً على كل أسرار الكون وما من سر إلا بداخله.. ولا يستطيع أن يدرك حقيقته ويلامسهاإلا بقدرته على مايمكن أن ينجزه من عمل لا يرتبط بكونه صحيحاً أو خاطئاً..أو فعل يدفعه إلى معرفة نفسه بنفسه..!