إذا كنّا بصدد مشروع جديد حقاً لتطوير التعليم، فعلينا النظر إليه باعتباره فرصة لاستخلاص كل تجاربنا ووضعها معاً، في أفق الحس النقدي، في تجربة جديدة تمضي إلى مستقبلها عبر مواكبة كل حاضر ومستجد، أما الحرف الأول في أبجدية كل مشروع تطوير أو تغيير تعليم فهو تحديد الأهداف ابتداء، ومعلوم أن بعض الأهداف كلي، قيمي، مبدئي وثابت، فيما بعضها متغير خصوصاً حين يكون في واقع متغير. من هنا يصبح عنصر المواكبة أساسياً. لقد مضى إلى غير رجعة زمن التزام المنهج المؤطر في كتاب تقليدي، والمعنى أن مواكبة الأحداث والتطورات في العلوم، بما فيها العلوم الإنسانية واللغوية، مسألة تقع في صميم التعليم ومشروعه المستقبلي. في مشروع التعليم، يبدأ المستقبل الآن، بدأ أمس. هذا ينبغي أن يكون عنوان توجهنا نحو تعليم حقيقي يلبي حاجات المجتمع ومؤسساته، كما يلبي، ما أمكن، رغبات وميول الأفراد. أمامنا فرصة تاريخية لوعي خبراتنا التعليمية عبر العقود الماضية. علينا التعلم من الخطأ قبل الصواب، ثم التوجه إلى المستقبل متمسكين أيضاً، وهذا أساسي، بأفضل الممارسات العالمية، فالتعليم هو، بدوره، صناعة. صناعة ثقيلة إذا شئتم. النقطة المحورية هنا، ولنا إلى عنوان التعليم، أولويتنا الوطنية المطلقة، عودة وعودات، تتمثل في إقرار حاجتنا الماسة، ضمن مشروع تطوير التعليم، إلى إقرار برامج واستراتيجيات للتدريب والتعليم المستمر، حيث لا يتصور أن التعليم المفتوح أو عن بعد واقع راسخ اليوم في أعرق جامعات الدنيا، بينما ينظر إليه في بلادنا بعين من الريبة والشك. أضف إلى ذلك افتقارنا نحن الدولة الغنية إلى التلفزيون التعليمي حتى الآن. وضع الكلمة بين قوسين طبعاً مقصود، فلا يعقل أن التلفزيون التعليمي حاضر، وبقوة، في بلاد قريبة وبعيدة، بعضها ضعيف مادياً، وبعضها فاشل أو يكاد، ثم نبحث عنه في دولة الإمارات، دولة التقدم التنموي والعلمي والثقافي، ودولة التسامح والانفتاح والتعدد، فلا نجده. حدث ذلك ويحدث بالرغم من المطالبات المكرورة، ويفاقم من المشكلة أن المسؤولية ضائعة أو مضيعة بين جهات يفترض أنها مسؤولة أو مطالبة بشكل أو آخر. مؤسسة التعليم، ومؤسسة التعليم العالي في مقدم الموكب، وكذلك الثقافة والإعلام والموارد البشرية. لنقل أن الحكومة مطالبة بإعادة عنواني التعليم المستمر والتلفزيون التعليمي إلى واجهة اهتماماتها، لتكون جزءاً أصيلاً من مشروع تطوير التعليم، فبذلك يمكن اصطياد عصافير عدة بحجر واحد، وأولها عصفور الارتفاع بمحتوى البث الفضائي، ما ينعكس إيجابياً على محتوى كل الإعلام، بما فيه الإعلام الجديد. ebn-aldeera@alkhaleej.ae