×
محافظة المنطقة الشرقية

صواريخ التمرد تتساقط فوق العاصمة اليمنية

صورة الخبر

من جون كيمب لندن (رويترز) - كشف قيام السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر عن صدوع سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية خطيرة تتخلل المملكة ومنطقة الخليج. وكانت أنباء إعدامه أثارت بعض القلاقل بين الطوائف الشيعية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية وفي البحرين المجاورة وكذلك في جنوب العراق. وقد دعا الزعيم الايراني الأعلى فعليا إلى الإطاحة بالحكم الملكي في السعودية الأمر الذي أثار ردا شديد الغضب من الحكومة السعودية التي اتهمت الجمهورية الاسلامية بالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة. واقتحم محتجون ايرانيون السفارة السعودية في طهران وردت السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية وتشجيع حلفائها من الحكومات السنية على الاقتداء بها. وقال السفير السعودي لدى الأمم المتحدة للصحفيين يوم الاثنين نحن لم نولد أعداء بالفطرة لايران. لكن استعادة العلاقات الدبلوماسية لن تكون ممكنة إلا من خلال أن تتوقف إيران وتكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول اخرى بما في ذلك شؤون بلدنا. وفي كثير من الأحيان يتم تبسيط التنافس بين القوتين الكبريين في الخليج في صورة منافسة بين مملكة سنية محافظة وجمهورية شيعية ثورية. أما الواقع فأكثر تعقيدا وأكثر مدعاة للقلق. فالمنطقة الشرقية في السعودية تقع عند نقطة تقاطع خطيرة للتنافس على النفوذ بين ايران والسعودية والصراع الطائفي بين السنة والشيعة ومظالم اجتماعية واقتصادية وكذلك أكبر احتياطيات للنفط في العالم. * خطوط الصدع أعد الباحثون في جامعة كولومبيا مجموعة متميزة من الخرائط التي توضح الانقسامات الثقافية والدينية والقبلية واللغوية في مختلف أنحاء منطقة الخليج. يمكن الإطلاع عليها من خلال الرابط: ‭‭‭(http://gulf2000.columbia.edu.maps‬‬‭‭.‬‬‭‭shtml)‬‬‬ وتبين هذه الخرائط امتداد مناطق الأغلبية الشيعية في قوس يمتد من ايران عبر جنوب العراق جنوبا على امتداد الساحل الشرقي للسعودية وصولا إلى البحرين مع امتداد آخر في جبال شمال اليمن. ويمكن الإطلاع عليها من خلال الرابط: ‭‭‭(http://gulf2000.columbia.edu/images/maps/Mid_East_Religion_lg.png) ‬‬‬ وقد اهتمت ايران اهتماما خاصا بالطوائف الشيعية في كل هذه الدول بل وحاولت الحكومة في طهران ولاسيما الحرس الثوري وعناصر متشددة أخرى في بعض الحالات تصدير نفوذها وشجعت القلاقل. لكن من الواضح أيضا أن كثيرا من هذه الطوائف الشيعية لها مظالم محلية مستفحلة كما أن جانبا كبيرا من الاضطرابات له جذور محلية وليس ببساطة نتاج تحريض من جانب ايران. وعانت كل الطوائف الشيعية في العراق والبحرين والسعودية من التمييز والتهميش على أيدي حكومات ومجتمعات يهيمن عليها السنة خلال القرن الأخير. ومما يزيد من هذا المزيج الباعث على زعزعة الاستقرار أن المناطق التي تعتبر موطن كثير من الطوائف الشيعية هي نفسها المناطق التي توجد فيها أغلب الحقول والاحتياطيات الباقية من النفط والغاز في المنطقة. فجنوب العراق الذي يهيمن عليه الشيعة يحتوي من النفط والغاز على ما يزيد كثيرا على الموجود في المناطق ذات الغالبية السنية في وسط البلاد. وفي السعودية تقع في المنطقة الشرقية كل احتياطيات البلاد تقريبا من النفط والغاز. ويمكن الإطلاع عليها من خلال الرابط: ‭‭‭(http://gulf2000.columbia.edu/images/maps/Shia_and_Oil_‬‬‭‭l‬‬‭‭g.png)‬‬‬ ومازالت الأوضاع في المنطقة الشرقية غامضة نسبيا لأن الحكومة السعودية تقيد السفر إليها والتغطية الصحفية منها الأمر الذي يثبط بقوة الهمم لإجراء نقاش على المستوى الدولي عن المخاطر السياسية التي تؤثر على المملكة. وامكانية حدوث اضطرابات خطيرة واحدة من هذه المخاطر ذات الاحتمالات المحدودة والعواقب الكبيرة التي يصعب تقديرها على النحو السليم لكن لا يجب تجاهلها. ومازال خطر الاضطرابات احتمالا ضعيفا أكثر منه احتمالا متوسطا. فالأرجح أن المنطقة الشرقية ستبقى هادئة واحتمال أن تشهد اضطرابات اجتماعية أقل بكثير. ولن يكسب أحد مالا من المراهنة على عدم استقرار الوضع السياسي في السعودية أو‭‭‭ ‬‬‬على حدوث اضطرابات في حقول النفط لأن الاحتمال ضعيف في أي عام من الأعوام. وقد يكون احتمال الاضطرابات منخفضا يبلغ خمسة في المئة أو حتى واحدا في المئة لكن هذا ليس بالأمر نفسه مثل الصفر. وكان من الممكن قول الشيء نفسه عن احتمال الاضطرابات في مصر أو تونس قبل عام 2011. والمخاطر حقيقية بما يكفي لكي تراها الحكومة السعودية خطرا جسيما ومازال للحكومة وجود أمني مكثف في المنطقة. وتسهم هذه المخاطر في تفسير سبب شدة المواجهة بين الرياض وطهران وخصوصيتها. * تعقيدات في المملكة في معظم مناطق الشرق الأوسط لا تتفق الحدود الوطنية مع الانقسامات الدينية والثقافية واللغوية والقبلية ولا تستثنى السعودية من ذلك. والمملكة نتاج دمج منطقة (نجد) الوسطى المحافظة مع الساحل الغربي (الحجاز) والواحات الشرقية على امتداد ساحل الخليج (الاحساء) وكانت كلها تحت إدارات منفصلة حتى عهد قريب نسبيا. ويمكن الإطلاع عليها من خلال الرابط: ‭‭‭(http://gulf2000.columbia.edu/images/maps/Islamic_States_1900_lg.png) ‬‬‬ فقد فتح الملك عبد العزيز حاكم نجد الاحساء في عام 1913 وانتزعها من الامبراطورية العثمانية المفككة وأضاف الحجاز في 1924-1925 ووحد البلاد في نهاية الأمر عام 1932. لكن مازالت هناك اختلافات ثقافية ودينية كبيرة بين المناطق بل وفي داخلها. ويأتي جانب كبير من النخبة السياسية والدينية الحاكمة من نجد التي ترتبط أيضا بالمذهب الوهابي الأصولي. أما الحجاز فكانت موطن التفاسير الأكثر ليبرالية للإسلام في حين أن أغلب سكان الاحساء اتبعوا المذهب الشيعي. وفي إطار المساعي الرامية إلى بناء الدولة فرضت آراء دينية محافظة من إقليم نجد على المناطق الأخرى من البلاد. وتقول لجنة الحرية الدينية الدولية التي عينتها الحكومة الأمريكية إن دولة السعودية الحديثة تمنح تفسيرها للمذهب السني امتيازا على غيره من التفاسير كما أنها تقيد أغلب أشكال التعبير الديني العلنية التي لا تتفق مع تفسيرها الخاص للإسلام السني. وكان من نتائج ذلك تاريخ طويل من التوتر بين السنة خاصة من يتبعون المذهب الوهابي والطوائف الشيعية في اقليم الاحساء الذي أصبح يسمى المنطقة الشرقية. وكتبت لجنة الحرية الدينية الدولية في أحدث تقرير سنوي لها تقول تواصل السلطات قمع رجال الدين المخالفين وأعضاء الطائفة الشيعية والتمييز ضدهم. وخلص تقرير اللجنة لعام 2015 إلى أن الطائفة الشيعية تواجه أيضا تمييزا في التعليم والتوظيف والجيش والتمثيل السياسي والقضاء.وتنفي الحكومة السعودية أنها تمارس أي تمييز. وقد أشارت تقارير أخيرة إلى تقدم صوب إنهاء التمييز الرسمي لكن مازال من غير الواضح مدى التمييز غير الرسمي لأن الحكومة السعودية لا تشجع الأبحاث في هذا الصدد. وفي عام 2012 توصلت اللجنة إلى أنه لا يوجد وزراء من الشيعة في الحكومة وأن خمسة فقط من بين أعضاء مجلس الشوري البالغ عددهم 150 من المسلمين الشيعة وأنه لا يوجد سوى قلة قليلة جدا من القيادات الشيعية في المراكز الحكومية العالية خاصة في الوكالات الأمنية. وخلص تقرير اللجنة لعام 2012 إلى أن المسلمين من الطائفتين الشيعية والاسماعيلية يواجهون المضايقات والاعتقال والاحتجاز في المناطق التي يهيمن عليها السنة من البلاد خارج المنطقة الشرقية. * احتجاجات عنيفة أسفرت التوترات الطائفية بين السنة والشيعة من آن لآخر عن اضطرابات في المنطقة الشرقية ومن ذلك اضرابان عماليان رئيسيان استهدفا شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في 1953 و1956 وانتفاضة واسعة النطاق في 1979-1980 ومظاهرات في 2011. ويقول المؤرخ توبي جونز من جامعة روتجرز في كتابه (المملكة الصحراوية: كيف شكل النفط والمياه السعودية الحديثة - 2010) إن اضرابي 1953 و1956 أشعلت شرارتهما مظالم بسبب ضعف الأجور وسوء ظروف العمل والمعيشة والعنصرية. وكتب فرانك جنجرز الرئيس التنفيذي السابق للشركة في مذكراته (وتمضي القافلة: كيف كبرت أرامكو والسعودية معا - 2013) من البداية كانت أرامكو تدرك تمام الإدراك مشاكل التوافق بين المسلمين السنة والشيعة. وقال جنجرز مفسرا الأمر بالتأكيد كان الشيعة هم الأقلية على المستوى الوطني لكنهم يمثلون الغالبية في المنطقة الشرقية وكانوا يميلون للعيش في مناطق منفصلة. وحرصت الشركة كمسألة سياسة على عدم السماح لهذا الاختلاف الديني بأن يصبح عاملا في تدريب أي موظف أو تقييمه. وبذلت أرامكو جهدا كبيرا لإضفاء الطابع المهني على العاملين لديها لكن مجرد ذكر جنجرز للاختلافات الدينية بهذا الوضوح يؤكد إمكانية حدوث التوتر. وفي عام 1979 ثارت احتجاجات في القطيف وعدد من المناطق الشيعية الأخرى في المنطقة الشرقية وكذلك في البحرين المجاورة وتحولت إلى العنف في أعقاب مواجهات مع قوات الأمن. وجاءت الاضطرابات التي كان فيها عنصر طائفي قوي بعد بضعة أشهر فحسب من الإطاحة بشاه ايران ووصول آية الله روح الله الخميني إلى السلطة في ايران من خلال الثورة الاسلامية. وسعت الحكومة الجديدة في طهران لتصدير عقيدتها الثورية وشجعت الطوائف الشيعية صراحة في العراق والكويت والبحرين والسعودية على التمرد على حكامهم السنة. وأذاعت حكومة الخميني رسالتها الثورية من خلال بث إذاعي قوي مباشرة إلى المنطقة الشرقية. ويقول جونز ما من شك يذكر أن الثورة الايرانية ساعدت في بلورة السياسة وتنشيط المعارضة بين الشيعة في الدول المجاورة. وأضاف الثورة تسهم في تفسير توقيت خروج السعوديين إلى الشوارع وبعض القوى التي شجعتهم على ذلك. وفي عام 2011 حدثت احتجاجات عنيفة من جديد في المنطقة الشرقية وفي البحرين في إطار الربيع العربي الأوسع نطاقا ومرة أخرى شارك فيها في الأغلب طوائف شيعية وأخمدتها الأجهزة الأمنية. وفي أعقاب إعدام النمر سار مئات المحتجين في شوارع القطيف يوم السبت حسبما ذكرت تقارير شهود عيان. (إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي)