×
محافظة عسير

«البرك» تستقبل الهاربين من شتاء عسير

صورة الخبر

في مارس (آذار) من العام الماضي، ظهر رئيس مصلحة تشخيص النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وكأنه يمد يده للعهد السعودي الجديد، وأنه يسعى لتحسين العلاقات بين طهران والرياض، وفي مواضع أخرى يقول رفسنجاني: «إنه من الممكن إقامة علاقات جيدة مع الرياض وعلى من يدلي بتصريحات متشددة ضد السعودية أن يفكر في عواقبها» منظّرا ومبررا أن تدهور العلاقات الإيرانية السعودية في فترة من الفترات، هو من رجال في الداخل الإيراني يراهم هاشمي رفسنجاني مستعدين لتعريض المصالح القومية لإيران للخطر مقابل منعه توطيد العلاقات مع السعودية. بل وسبق لرفسنجاني أن أبدى رأيه قبل مفاوضات مجموعة (5+1) بقوله «لو كانت علاقاتنا جيدة مع السعودية لما كان في وسع الغرب أن يفرض علينا عقوبات نفطية»، بل وزادت مع قدوم الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى الرئاسة تجديد الدعوة أنه مستعد للعب دور مهم في ذلك، ومن المعلوم أن رفسنجاني يرأس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، وهو مجمع أعلى من الرئاسة والبرلمان ومجلس صيانة الدستور كذلك، مجمع تشخيص النظام يعتبر مصنع القرارات في إيران بل وسكرتارية النظام الإيراني عامة، ورفسنجاني يعد اللسان المتحدث لمرشد الثورة الإيرانية اليوم. لكنها شهران فقط بعدها، وحوادث كثر قبلها، تبرز صفة الخداع في منهج جلّ القيادات الإيرانية، فالنية يخبئها الإيرانيون كما يخبئون ربطات عنقهم، والتقية الإيرانية تكشفها ملفات الأرشيف الأسود الذي يتمتع به النظام الإيراني، فهم معجونون بماء الثورة، وتربة الطائفية، وهدفها نشر ذلك عبر المحيط، لتحقيق الحلم الكبير بإمبراطورية فارس. ملامح بدء النماذج الإيرانية بعد اقتحام جهيمان العتيبي للحرم المكي في أوائل القرن الهجري الحالي الذي صادف العام 1979. كانت الخطوات متجهة نحو تحريك الدمى السعودية، التي تلقت التعليم في حوزة النجف وتتبع حينها لمنهج الولي الفقيه، في خطوات مبكرة لتسييس «الهوية الشيعية السعودية» من خلال أتباع السيد محمد الحسيني الشيرازي، الذي كان يحلم بـ«ولاية الفقيه» في الخمسينات والستينات، عابرا بأشرعة التثوير الاجتماعي فكانت حركات معدودة في القطيف وعدد من المدن المحيطة بها تنتهج المسيرات والمظاهرات التي تدين شرعية البلاد السعودية، رافعين صورة الخميني الذي بدأ في قطف ثمار الثورة الإسلامية الإيرانية قبل حادثة الحرم بأكثر من ثمانية أشهر. ومع بواكير نجاح الثورة الإيرانية، وقدوم الخميني إلى إيران، كانت الأنظار والنيران معدة على السعودية، تأخرت قليلا بسبب حرب نظام الملالي مع العراق التي استمرت لأكثر من ثمانية أعوام (1980 - 1988) لكنها كانت في خطوات معدة تهيئ للنفوذ في مناطق الصراعات، فأسست إيران ميليشيا «حزب الله» في لبنان على خلفية حرب أهلية طاحنة، بشعار المقاومة لإسرائيل، مستفيدين من الأرضية المضطربة في التواجد، فتأسس الحزب كنواة عقائدية موالية للمرشد الإيراني الخميني، في العام 1982 وبعدها بعام أصبح ذا فصيل سياسي، وضحت البوادر منه. حزب الله الحجاز المقاربة السريعة لنشأة حزب الله في لبنان، تشير إلى الاتجاه، فعلى ذات المنوال، لكن بطريقة أصعب وحتما لم تكن مكانية، سعت إيران الإسلامية إلى محاولة الحضور على الخريطة السعودية، قصة تبدأ مع تتلمذ عدد قليل من السعوديين الشيعة، وتحديدا في النجف العراقية قبل الثورة الإيرانية، وبعد وصول الخميني إلى السلطة العليا في إيران، اتجه التعليم إلى «قم» الإيرانية، ومعها بدأت حكايات التعليم والتلقين والأسلحة بأنواعها الكلامية والتثويرية تتجه إلى السعودية. فتأسس في الحوزة تلك، مَجمعا لعلماء دين الحجاز كما يسمونه، والهدف من التسمية بـ«الحجاز» هو إنكار المملكة العربية السعودية، وأصبحوا أكثر قربا ومعارضة للسعودية الوطن والحكام، وفي تلك الفترة الأولية من الثورة الإيرانية لم يكن لمسمى «حزب الله الحجاز» أن نشأ (وهي مرحلة أولى)، إلا بعد قبل أشهر من بدء موسم الحج الذي كان في العام 1987 حيث عمل الحرس الثوري الإيراني على تعكير أعمال الحج والقيام بمسيرات دموية دخلت في مواجهات مع رجال الأمن نتج عنها مقتل ما يقرب من 400 شخص. وبدأ حزب الله الحجاز، الذي كان يعمل بمجلسين: سياسي، وعسكري، في الاتجاه الثوري الإيراني وأعلن أول تصريحاته بعد تأسيسه العام 1987 بعد أسبوع من حادثة الحج، وتعهد بالوقوف ضد حكام السعودية، وكان الجناح العسكري تحت قيادة، أحمد المغسل (درس في حوزة الإمام محمد القائم في طهران)، وهو المشتبه الأول والرئيسي في أحداث تفجيرات الخبر 1996 وألقي القبض عليه وتسلمته السعودية في أغسطس (آب) من العام الماضي، بعد أن ظل مختفيا لأكثر من عشرين عاما. بينما كانت إيران بنموذجها «حزب الله الحجاز» تطمح أن يكون يدا في تحقيق الهدف السياسي الذي يتمثل في إقامة جمهورية إسلامية في شبه الجزيرة العربية على النموذج الإيراني، لكن الضربات الأمنية السعودية، جعلته في عداد القوائم المنتهية من التاريخ. تسييس الحج وممارسة العنف تكرر السعودية دعواتها كل عام على ألسنة مسؤوليها، بالبعد عن تسييس الحج والشعائر الدينية، لكن ذلك لا يعكس الالتزام من بعض الحجاج، خاصة من طيف واسع من حجاج إيران، الذين يثور غالبهم في الأراضي المقدسة، تحقيقا لشعارات معلنة تتبناها الجمهورية في سبيل إثارة الجدل نحو تعكير صفو الحج وحمله نحو جانب سياسي لم يكرره سوى حجاج من إيران. وإذا كانت الأجهزة الأمنية في المملكة تضع رجال قواتها في خدمة الحجيج وأداء الأعمال الإنسانية وضبط الوضع الأمني بأكثر من 100 ألف عسكري، فإن ذلك يوحي بدلالات عدة نحو ما حدث خلال أعوام مضت من قبل حجاج يستقطبون سياسات أو أزمات بلدانهم إلى أرض المشاعر المقدسة، لكن الحزم الأمني السعودي يتواصل نحو تحقيق الغاية الأهم وهي التيسير على ضيوفها وضيوف الحرمين الشريفين وضمان سلامتهم في أداء شعائر الإسلام من حج أو عمرة. في وقت تؤكد القيادة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، على أن المملكة نذرت نفسها وإمكاناتها في سبيل التيسير على الحجاج وضمان أمنهم وراحتهم، وهي الدولة التي تعيش لأكثر من 85 عاما في خدمة حجاج بيت الله متمرسة بالخبرة والقوة والإمكانات، إلا أن ذلك لا يشفع لها أن تجد ثناء من قبل الجمهورية الإيرانية، وعلى رأسها مرشدها علي خامنئي، في درب متواصل سبقه إليه سلفه الخميني. فيما كان التأكيد الأخير قبل موسم الحج الأخير على لسان الأمير محمد بن نايف، ولي العهد وزير الداخلية حيث شدد على أن المملكة لم ولن تقبل أي تصرف أو عمل يخرج الحج عن مساره الصحيح، موضحا الأمير محمد أنه «سيتم التعامل بأقصى درجات الحزم مع أي تصرف يخالف الأنظمة والتعليمات المرعية حين أداء شعائر هذا الركن العظيم». في مسيرات الإيرانيين أصوات سياسية، ولافتات دينية مذهبية، يكررون تعكيرهم لأمن الحج، يمتهنون قطع الطرقات منذ مواسم سابقة وفي هذا العصر، تسجل التقنية المتنقلة تلك التجاوزات، ضاربين بكل الأنظمة والتحذيرات عرض الحائط في منهج إيراني أصيل لم ينفك. التاريخ لا يذكر في مسيرته منذ العام 1986 سوى الشغب الإيراني والتهديدات المتقطعة والمتواصلة، التي ترافقت مع سنوات الحكم الإسلامي في إيران ومرشدها الأول الغائب روح الله الخميني، ففي ذلك العام كشفت الأجهزة المعنية في المملكة عن رحلة التهديد الإيراني، حين حملت طائرة إيرانية عشرات الحجاج من إيران، أثناء قدومهم إلى المملكة عبر مطار الملك عبد العزيز بجدة، أكثر من 95 حقيبة تحمل جميعها مخازن سفلية تحتوي على مواد متفجرة من نوع C4 وتحتوي على مادة RDX شديدة الانفجار تقدر بنحو 51 كلغم. وعلى الفور بدأت الداخلية السعودية في تحقيقاتها مع الركاب، واعترف كبيرهم (محمد حسن محمدي دهنوي) أنهم قدموا بإيعاز من القيادة الإيرانية لتنفيذ تفجيرات في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة (وذلك وفقا لبيان نشرته الأجهزة السعودية عبر تلفزيونها الرسمي). بعدها وفي العام 1987. كان الآلاف من الحجاج الإيرانيين على موعد معتاد مع تعكير صفو الحج، حيث شكلوا مجموعات ومسيرات حاشدة أضرت بأعمال وسير التجهيزات لبدء موسم الحج، فقاموا بقطع الطرقات وترويع المسلمين الآخرين، وحاولوا اقتحام المسجد الحرام، وفي طريقهم إليه قاموا بإحداث الضرر بالمنشآت وعدد من الأملاك الخاصة وقتل المئات من الحجاج بينهم رجال أمن. وأعلنت وزارة الداخلية بعد الشغب الإيراني، أن عدد الوفيات نتيجة هذه الأحداث الغوغائية قد بلغ مع شديد الأسف 402 من الأشخاص كانوا على النحو التالي: 85 شخصا من رجال الأمن والمواطنين السعوديين و42 شخصا من بقية الحجاج الآخرين الذين تصدوا للمسيرة من مختلف الجنسيات و275 شخصا من الحجاج الإيرانيين المتظاهرين ومعظمهم من النساء. بينما بلغ عدد المصابين بإصابات مختلفة نحو 649 جريحا من بينهم 145 من السعوديين رجال أمن ومواطنين، و201 من حجاج بيت الله، و303 من الإيرانيين. فيما امتد ذلك الشغب إلى سفارة السعودية في طهران، فقامت عناصر شغب إيرانية باقتحام السفارتين وخطف دبلوماسيين سعوديين. ومن أبرز أعمالهم في العام 1989 حين جندت القيادة الإيرانية خلية ما تعرف بـ«حزب الله الكويت» الشيعية للقيام بأعمال تفجيرات عبر عدة طرق مؤدية إلى الحرم، تمكنت الأجهزة الأمنية في المملكة من إسقاطهم ومحاكمتهم بعد اعترافاتهم بضلوع إيران في ذلك، بينما كان أكبر حوادث الحج المفتعلة في العام 1990 حين ذهب ضحية اختناق حجاج بمادة سامة في نفق المعيصم أكثر من 1400 حاج. وتكافح الأجهزة الأمنية السعودية، كل أصناف التهديدات التي قد تلحق الأذى بالحجيج أو أمنهم وسكينتهم، وتوقع العقوبات القاسية بحق من يحاول تعكير ذلك، ساعية بذراع أخرى إلى البناء وتحقيق التيسير على أداء ضيوف الحرمين الشريفين عبر توسعات هائلة، سيكون الحرم المكي منتصف العام المقبل في نهاية أعمال التوسعة التاريخية الكبرى. إيران قذفت بأحاديث مسؤوليها إلى بركة المناورة السياسية مع السعودية، بعد حادث التدافع الذي وقع في مشعر منى، حيث طالب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي من السعودية «الاعتذار» بعد حادث التدافع في منى الذي أودى بحياة نحو 140 إيرانيا، (حسب آخر حصيلة أعلنتها إيران) وقال خامنئي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية بأنه «على حكام السعودية أن يعتذروا للأمة الإسلامية وللأسر المفجوعة وتحمل المسؤولية عن هذا الحادث بدلا من اللجوء إلى الإسقاط وإلقاء اللوم على الآخرين». علاوة على ذلك، تبع الرئيس الإيراني حسن روحاني منهج مرشد الجمهورية من منبر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث طالب بـ«التحقيق في أسباب هذا الحادث المؤلم» وهو ما جعل إيران تستدعي القائم بالأعمال السعودي لدى طهران ثلاث مرات في ثلاثة أيام للاحتجاج. ورد وزير الخارجية السعودية عادل الجبير على الادعاءات الإيرانية بعد أن رفض سابقا لقاء نظيره الإيراني جواد ظريف على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، فقال الجبير: «أعتقد أنه من الأفضل للإيرانيين أن يبتعدوا عن تسييس مأساة أصابت الناس الذين كانوا يؤدون أهم الشعائر الدينية المقدسة»، وأضاف أن السعودية لطالما خصصت على مدى سنوات موارد ضخمة من أجل ضمان نجاح موسم الحج. وأعلن الوزير الجبير أن المملكة ستنشر الوقائع عندما تعرف ولن تخفي شيئا، وإذا ارتكبت أخطاء فسيحاسب مرتكبوها، وأضاف: «سنعمل على استخلاص العبر مما حدث وألا يتكرر ذلك، وأريد أن أكرر أنه ليس وضعا ينبغي استغلاله سياسيا»، معبرا عن أمله في أن يبدي القادة الإيرانيون قدرا أكبر من التقدير والاعتبار إزاء من قضوا في هذه المأساة وأن ينتظروا ليروا نتائج التحقيق. وفي ضوء تلك الحادثة وما سبقها بعد سقوط رافعة الحرم قبل بدء موسم الحج، تدفقت من الشرق والغرب رسائل التعزية من حكومات ورؤساء دول، إلا أن إيران كانت على غير وجهة في إعلان تضامنها أو تعزية رسمية بشأن الحادثتين، مما يفسر لدى متابعين أن ذلك من الضغينة التي تحملها إيران ومن يعيش في بحرها السياسي المناهض للسعودية وأدوارها في خدمة الحرمين الشريفين. وتثبت إيران يوما بعد آخر سعيها إلى نشر الخراب، في ظل الحلم السعودي، والقوة الأمنية، وقبل أن يثبت تورط إيران في تفجير الخبر 1996. وسقوط أفراد جندتهم طهران، كان العام 1987 شاهدا على خراب «حزب الله الحجاز» قبل تلاشيه بالقوة الأمنية، مستهدفا مقر شركة صدف للبتروكيماويات بالمنطقة الشرقية، وهي حادثة اشتد معها الحزم السعودي مما أدى إلى تجفيف منابعه والقضاء على جذوره. وفي أوائل عام 2011 وريح الثورات العربية ومع تبدل بعض موازين القوى في المنطقة، هاجمت جماعات مسلحة مقر السفارة السعودية بالعاصمة الإيرانية وكذلك قنصليتها في مدينة مشهد، وأحرقت بعض أجزاء السفارة، ورفعت أعلاما تخص حزب الله اللبناني، وهو ما جعل السعودية تحمل الأمن الإيراني مسؤولية تلك الأحداث، فيما قامت الخارجية السعودية باستدعاء السفير الإيراني لديها، وسلمته احتجاجا رسميا من الحكومة على الاعتداءات التي تعرضت لها مقار بعثتها الدبلوماسية في بلاده. وعلى منهج الاغتيالات، كانت تخطط إيران أواخر العام 2011 لاغتيال وزير الخارجية عادل الجبير، (السفير السعودي لدى أميركا حينها)، وأعلنت السلطات القضائية الأميركية وعبر وثائق تؤكد أن الأجهزة الأمنية تمكنت من كشف وإحباط محاولة اغتيال للسفير الجبير، بتفجير مقر السفارة السعودية في واشنطن، وكشفت الوثائق أن إيران خططت لتنفيذ التفجير وعملية الاغتيال بقرار رسمي، وفق اعترافات الإيرانيين غلام شكوري ومنصور أربابسيار. وسبق لإيران عبر جناحها العسكري في لبنان (حزب الله) أن اتجهت إلى ممارسة الاغتيالات بحق دبلوماسيين سعوديين، وكان ذلك في تركيا في أواخر العام 1988 باستهداف السكرتير الثاني في سفارة الرياض في أنقرة، وبعدها بأشهر اغتيال أحد دبلوماسيي ملحقية السعودية في كراتشي، والتهديد المستمر بالاغتيال في العام الماضي للسفير السعودي لدى لبنان علي عواض عسيري.