×
محافظة المنطقة الشرقية

رسمياً.. الاتحاد السعودي يقرر عدم اللعب في إيران

صورة الخبر

ربما لا يعلم كثيرون أن شيخ الإسلام ابن تيمية -يرحمه الله- تلقى الحديث وروى عن طائفة من "النساء" هن "شيخاته في بعض طرق الحديث التي أخذها عنهن، فمنهن "الشيخة الصالحة أم الخير ست العرب بنت يحيى"؛ أخذ عنها سنة 681 هـ، ومنهن "الشيخة الجليلة الأصيلة أم العرب فاطمة بنت أبي القاسم" في السنة نفسها، ومنهن الشيخة "الصالحة العابدة المجتهدة أم أحمد زينب بن مكي"، وكذا "الشيخة الصالحة أم محمد زينب بنت أحمد". فلم يجد الشيخ ابن تيمية عيبا ولا مخلاً بالمروءة ولا قادحا في الرجولة والكرامة أن يتلقى الحديث على نساء، بل يذكرهن مادحا إياهن وهو يذكر بعض الأسانيد. وكذا تلميذ ابن تيمية الإمام المفسر المؤرخ المحدث ابن كثير، يرحمه الله، روى الموطأ عن الشيخة زينب بنت الكمال المقدسي. ومن يقرأ كتب السير مثلا يجد ذكرا لشيخات ونساء يمارسن العمل الاجتماعي تعلما وتعليما، واحتسابا؛ مع الحفاظ على الديانة والحشمة بلا نكير. ومن هؤلاء الشيخة تقية بنت أبي الفرج الصوريّ، صحبَت الحافظ أبا الطاهر أحمد بن محمد السّلفي الأصبهاني، وكان لها شعر جيد، وقد كان أن جُرحت رجل شيخها ذات يوم؛ فقامت جاريته لتضمد جراحه بخمارها؛ وكانت هذه الشيخة الصالحة حاضرة فأنشأت تقول على البداهة: لو وجدت السبيل جُدت بخدِّي... عوضاً عن خمار تلك الوليدة كيف لي أن أقبِّل اليوم رجلا... سلكت دهرَها الطريق الحميدة؟ تقول: لو استطعت لجعلت خدّي هو الخرقة التي يضمد بها جرح شيخي، وتتساءل كيف لي الآن أن أقبّل رجل هذا الشيخ الصالح التي ما سلكت إلا طريق الهداية والصلاح؟ ترجم لها -فيمن ترجم- الإمام الذهبي، وذكر عنها خبرا طريفا أنها أرسلت قصيدة تمدح بها الملك المظفّر تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين، فوصفت الخمر وآلة المجلس، فلما قرأها قال: الشيخة تعرف هذه الأحوال من صباها! [كأنه يقول إنها كانت في صباها ذات مجالس لهو وخمر] فبلغها ذلك، فعملت قصيدة أخرى حربية [أي تصف الحرب وما فيها مما لا تطلع عليه النساء] وأرسلتها، تقول: عِلمي بذاك كعِلمي بهذا. أي إن وصف الخمر وآلات اللهو ومجالسها إنما عرفته بالقراءة والاطلاع، وكذا الحروب وما يجري فيها عرفته بالقراءة والاطلاع. وهي بنت أسرة ذات علم ودين، فأبوها كان محدثا ثقة، وابنها كان عالما بالقراءات والنحو والحديث؛ هو الشيخ تاج الدين علي بن فاضل بن صمدون الصوري. ومن الشيخات الكبيرات محدثة الشام الشيخة كريمة بنت عبدالوهاب القرشية الدمشقية، كانت تروي صحيح البخاري لطلاب العلم وتجيزهم به، وكانت شهيرة بأنها "امرأة صالحة صيّنة، جليلة، طويلة الروح إلى الغاية على الطَّلَبة، لا تضجر من التّسميع". أخذ عنها حفاظ وأئمة. ومنهن المحدثة "ضوء الصباح" عجيبة بنت الحافظ أبي بكر محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادي، روى عنها جماعة. ومن الشيخات المبرزات الشيخة أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد الحنبلية البغدادية، تلميذة شيخ الإسلام ابن تيمية، وكانت مفتية، ومحدثة، وواعظة، وفقيهة على المذهب الحنبلي، ولقبها العلماء بـ"سيدة نساء أهل زمانها"، وكانت لها صولات وجولات مع الصوفية؛ وتنكر عليهم إنكارا شديدا؛ وتقوم في ذلك مقاما "لا يقدر عليه الرجال" -بحسب تعبير ابن كثير- حتى إنها حُبِست لهذا السبب؛ إذ تعصب عليها طائفة الأحمدية الصوفية، وآذوها، وكانت تصبر وتقول: لا أترك النهي عن المنكر. وكانت ترتقي المنابر وتعظ، وتؤثر في الناس، وكان ابن تيمية (شيخها) يثني عليها، وعلى صلاحها وعلى حفظها وذكائها وخشوعها وبكائها. بل كان يستعدّ لها ليجيب عن أسئلتها الكثيرة الذكية في عويص الفقه ودقائقه، وكانت تحفظ كثيرا من مغني ابن قدامة في الفقه الحنبلي. ولو تتبعنا كتب السير لوجدنا أخبارا كهذه وزيادة ندرك فيها إسهام النساء في المجتمع، تعلما وتعليما واحتسابا، وتعاطيا للشعر والأدب، وكيف أن كبار علماء الحديث والفقه المشاهير لم يستنكفوا أن يتلقوا العلم عن النساء، وأن يحتفوا بهن، وأن يشيدوا بالبارعات الذكيات المتفوقات منهن، بلا حرج، ولا ضيق.