×
محافظة المنطقة الشرقية

‏⁧بالصور:شاهد..تشييع جنازة الفنان ممدوح عبدالعليم‬⁩ وسط انهيار زوجته والفنانات ⁦‪

صورة الخبر

أبدت الشريعة وأعادت في مسألة الأمن، بصفته رأس سنام الحقوق التي يُناط بالإمام حفظها ورعايتها، فمكنت لوسائله التي تكفل وجوده وديمومته. وعلى رأس تلك الوسائل تنفيذ الحدود الشرعية على من ابتغوا الفتنة وسعوا في الأرض فسادا. ولقد شرع الإسلام حد الحرابة كأحد أبرز وسائل موانع وقوع الجرائم، وذلك واضح من معنى الحد اصطلاحا، إذ سمي بذلك لكونه «مانعا ورادعا من الوقوع في المحرمات، فهو كالحد الذي يحول بين شيئين». وقد حدد الله عقوبة حد الحرابة في قوله تعالى: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض...». إن مراعاة حقوق الإنسان بحق وحقيقة يجب ألا تبخس المجني عليه في استيفاء حقه من الجاني بحجة حفظ حقوق الجاني. فيما المنظمات الدولية، كما هي دول الاستكبار العالمي، والدول المارقة والأحزاب تريدنا أن نغمط المجني عليه حقه بعدم تطبيق حدود الله على الجناة، حتى نكون في عرفهم قوامين بحقوق الإنسان ومن العلماء من جعل عقوبة حد الحرابة على التخيير للإمام، حسب نوع الجرم الذي ارتكبه، ومنهم من قال بأن العقوبة يجب أن تحدد على سبيل الترتيب لا التخيير، فيكون حد الحرابة مبنيا على نوع الجريمة التي ارتكبها المجرم، ويكون هذا الترتيب على النحو التالي: إذا قتل وأخذ مالا كانت عقوبته القتل والصلب، ولا يعفى عنه. إذا قتل ولم يأخذ مالاً قُتِل من دون صلب. إذا أخذ مالا من دون قتل، كانت عقوبته قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى. إذا أرهب الناس وأخافهم من دون قتل أو سلب للأموال، كانت عقوبته النفي من الأرض والتشريد. فكيف وقد جمع أولئك الإرهابيون ممن نفذت بهم وزارة الداخلية حكم القتل: حرابة وتعزيراً، بين تلك الجرائم كلها مجتمعة، فلقد سفكوا الدم الحرام، واغتصبوا الأموال، واسترهبوا الناس وأخافوهم، ومن ثم فإن حماية البيضة ودفع الظلم واستتباب السلم الاجتماعي، توجب على الإمام تنفيذ حكم الله فيهم. وحق الأمن الذي تستهدفه الحدود الشرعية مقدم على كافة الحقوق، بما فيها حقوق الله، بل إنه مقدم حتى على أخص حقوقه تعالى، متمثلا بالتوحيد. يتضح ذلك من سؤال الخليل ابراهيم عليه السلام ربه أن يجعل بلده آمناً، قبل أن يدعوه بأن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام حين قال «رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام». كما يتضح ذلك أيضا في تحذير الله تعالى لبني إسرائيل بجملة من العقوبات بدأها بالخوف الذي هو ضد الأمن، فقال تعالى: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات». كما يتضح أيضا في حديث نبوي يُذكِّر الإنسان بنعم الله عليه، فيبدأ بالأمن بصفته أولى النعم وأجلها، حتى لقد قُدّم على الصحة التي هي تاج على رأس الإنسان، هو قوله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». فهاهنا ترتيب نبوي للحاجات الإنسانية يجعل نعمة الأمن في الصدر منها. ومثله حديث،: «لَحَدّ يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا». وإذ يحمل صدر هذا الحديث حثا للأمة على صيانة الأمن وحفظه بإيقاع العقوبات من حدود وتعزيرات على مستحقيها، ردعاً للجناة، وتهذيبا وإصلاحا لهم، ومنعا للبقية من أن ينزلقوا إلى ذات المنزلق، فإن عجزه يؤكد على أن إقامة حدود الله على مستحقيها خير مما يستتبع المطر عادة من النعم والخيرات. من دقائق التشريع الإسلامي في القصاص أنه جعل الضد متضمنا لضده، كما لاحظ ذلك الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره المعروف (تفسير المنار) تعليقا على قول الله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)، إذ قال: «ومن دقائق البلاغة فيها أن جعل فيها الضد متضمنا لضده، وهو القصاص و(عرَّف) القصاص و(نكَّر) الحياة، للإشعار بأن في هذا الجنس من الحِكم نوعا من الحياة عظيما لا يقدر قدره، ولا يجهل سره». وفي خضم استطراد الشيخ رضا في تفسير الآية، واستخراج دقائق الحكمة والبلاغة فيها، عرّج على كلمة كانت تُنقل عن العرب قبل الإسلام وهي قولهم (القتل أنفى للقتل)، فيقول: «وكانوا ينقلون كلمة في معناها عن بعض بلغاء العرب فيعجبون من إيجازها في بلاغتها، ويحسبون أن الطاقة لا تصل إلى أبعد من غايتها، وهي قولهم: القتل أنفى للقتل. وإنما فتنوا بهذه الكلمة، وظنوا أنها نهاية ما يمكن أن يبلغه البيان، ويفصح به اللسان، لأنها قيلت قبلها كلمات أخرى في معناها لبلغائهم، كقولهم (قتل البعض إحياء للجميع)، وقولهم (أكثروا القتل ليقل القتل). وأجمعوا على أن كلمة (القتل أنفى للقتل) أبلغها، وأين هي من كلمة الله العليا وحكمته المثلى؟». ويعود الشيخ ليقارن بين العبارة العربية (القتل أنفى للقتل) وما جاء في آية (ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب) فيذكر أنه وإن تضمنت معناها، إلا أن ثمة فروقا تحسب لدقائق التنزيل العزيز، منها: (الاطراد)، إذ في كل قصاص حياة، وفي كل قتل أنفى للقتل، فإن القتل ظلما أدعى للقتل. وكذلك (صنعة الطباق) بين القصاص والحياة، فإن القصاص تفويت الحياة، فهو مقابلها». وكذلك النص على ما هو المطلوب بالذات، أعني الحياة، فإن نفي القتل إنما يطلب لها لا لذاته. وكذلك الغرابة من حيث جعل الشيء حاصلا في ضده. إن من ألزم فروضنا، حكومة وشعبا، وقد وفقنا الله تعالى إلى تنفيذ هذه الحدود الشرعية التي تتوسل حفظ البيضة ودفع الصائل ألا نركن إلى من يتسللون لواذا فيتمسحون بدعاوى «حقوق الإنسان» التي أصبحت مطية لأكثر الدول والأحزاب مجافاة لتلك الحقوق. ذلك أن الحق في الحياة إنما يأتي على رأس حقوق الإنسان، فإذا سقط هذا الحق سقطت الحقوق الأخرى بدهيا. ولا إخال أن عاقلا يمكن أن يجادل في أن إقامة العقوبات على مغتصبي هذا الحق في الحياة، تحريضا وتمويلا وتنفيذا، إنما هي محافظة على هذا الحق ذاته، أعني حق الحياة. إن مراعاة حقوق الإنسان بحق وحقيقة يجب ألا تبخس المجني عليه في استيفاء حقه من الجاني بحجة حفظ حقوق الجاني. فيما المنظمات الدولية، كما هي دول الاستكبار العالمي، والدول المارقة والأحزاب تريدنا أن نغمط المجني عليه حقه بعدم تطبيق حدود الله على الجناة، حتى نكون في عرفهم قوامين بحقوق الإنسان. ولا يمكن أن تتأتى صيانة حقوق الإنسان إلا حينما نكون قوامين لله شهداء بالقسط، فنراعي ما شرعه الله تعالى لنا ولمن قبلنا، ومن سيأتي بعدنا من الأمم، بأن «النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص»، فهكذا تراعى حقوق الإنسان ليأمن على نفسه وماله ومن يعول. ذلك أن أهداف العقوبة في التشريع الإسلامي لا تقتصر على إيقاع العقوبة بالجاني فقط، بل تتعداها إلى: تطبيق العدالة، وإصلاح المتهم وتهذيبه، وحماية أهل القرى من أن يأتيهم بأس الله بياتا وهم نائمون، أو يأتيهم ضحى وهم يلعبون. ولتعزيز قيمة الأمن في بلد بحجم قارة كالسعودية، فإن القضاء مطالب بتفعيل أكبر لعقوبة التعزير، التي فوضها الشرع للإمام أو نائبه لمعاقبة المجرم بما يكافئ جريمته، ويقمع عدوانه، ويحقق الزجر والإصلاح، ويراعي أحوال الشخص والزمان والمكان والتطور، وتمديد صلاحية قانون العقوبات الإسلامي إلى ما يستجد من جرائم لم تكن معروفة وقت التنزيل. إن إقامة الحدود، وتفعيل عقوبة التعزير، خاصة في ما يتماس مع الأمن المجتمعي لما يحفظ حقوق الإنسان بحق وحقيقة، ودعونا من الدعاوى الزائفة التي ما برحت تتخذ الإنسان نفسه مطية لإيديولوجياتها السياسية النفعية. والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه. yousef1@mof.gov.sa لمراسلة الكاتب: yabalkheil@alriyadh.net