أدان وزير الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار، أمس، في لقاء صحافي، بشدة، الهجوم الذي تعرضت له سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، مضيفًا أن الأمر «يتعلق بأعمال منافية للقواعد والممارسات الدبلوماسية». ودعا مزوار في كلمته إيران إلى «تنفيذ الالتزامات الدولية في هذا الشأن لضمان حماية البعثات الدبلوماسية والقنصلية والعاملين بها». وعبّر مزوار عن «التضامن الدائم مع السعودية الشقيقة»، مجددًا الدعوة التي أطلقتها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، في بيانها أول من أمس، إلى التهدئة وتجنب كل تصعيد خطير في سياق إقليمي جد متوتر. إلى ذلك, توقف المراقبون كثيرا عند البيان المقتضب الذي صدر أول من أمس الأحد عن وزارة الخارجية المغربية، الذي أعلنت فيه الرباط أنها تعول على حكمة المسؤولين السعوديين والإيرانيين لتفادي انتقال الوضع الحالي في المنطقة إلى بلدان أخرى تواجه الكثير من التحديات وتعيش أوضاعا هشة. وتميز البيان بأنه كان معتدلا واستعمل لغة غير معادية لإيران، رغم أن المغرب يعد أكبر حليف للسعودية، ومنخرط في التحالف العربي ضد «داعش»، زيادة على كونه عضوا في التحالف الإسلامي الذي أعلن عنه قبل أسابيع قليلة في الرياض، ناهيك من أن العلاقات المغربية - الإيرانية عرفت توترا كبيرا في السنين الأخيرة، وعادت إلى طبيعتها في 5 فبراير (شباط) 2014، عقب اتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين، بيد أنها ما زالت باردة نسبيا رغم قيام إيران بتعيين سفير لها في الرباط، بينما لم يعين المغرب حتى الآن سفيرا له في طهران، مكتفيا بتعيين قائم بأعمال. وذكر بيان وزارة الخارجية المغربية أن المغرب يتابع باهتمام كبير تطور الوضع بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية، ويخشى من أن تأخذ التجاوزات الحالية بعدا غير قابل للسيطرة في الساعات والأيام القادمة. وكانت الاتصالات المغربية - الإيرانية بشأن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد زادت وتيرتها خلال انعقاد الدورة العشرين لـ«لجنة القدس» التي احتضنتها مدينة مراكش المغربية يومي 17 و18 يناير (كانون الثاني) 2014، وبما أن العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران كانت مقطوعة، فقد وجه المغرب الدعوة إلى إيران لحضور الاجتماع عبر منظمة التعاون الإسلامي، التي يوجد مقرها في جدة. ومثل طهران في الاجتماع حميد رضا دهقاني، سفير إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي، وموسى فرهنغ مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية. وعلمت «الشرق الأوسط» وقتذاك أن السفير دهقاني حمل معه رسالة من حكومة الرئيس حسن روحاني إلى المسؤولين المغاربة مفادها أنه حان الوقت لإعادة العلاقات المغربية - الإيرانية إلى طبيعتها. والتقى السفير دهقاني بالإضافة إلى وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، يوسف العمراني المكلف مهمة في الديوان الملكي، والوزير المنتدب السابق في الخارجية، ويبدو أن المسؤول الإيراني عاد إلى بلاده وهو مرتاح للأجواء الإيجابية التي وجدها لدى المسؤولين المغاربة في مراكش. وكانت الرباط قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في السادس من مارس (آذار) 2009، بعد تراشق بينهما على خلفية موقف المغرب المتضامن مع البحرين، بعد تصريحات مسؤولين إيرانيين عدوا فيها مملكة البحرين المحافظة الـ14 لإيران. وسرى اعتقاد آنذاك أن هناك ثلاث قضايا يمكن أن تكون قادت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. أولا، استدعاء إيران القائم بالأعمال المغربي في طهران وحده من دون دبلوماسيي دول أخرى عبروا عن استنكارهم للتصريحات الإيرانية، إلى جانب استخدامها للغة غير لائقة بشأن القيادة المغربية. ثانيا، أن إيران بدأت في تلك الفترة باتخاذ موقف مؤيد لجبهة البوليساريو، الداعية إلى انفصال الصحراء عن المغرب، وهو ما يفسر لماذا أصبح الموقف الجزائري آنذاك أقل حدة تجاه طهران. أما السبب الثالث، فيتعلق بتقارير صادمة حول دعم إيران لحركة تشيع في المغرب، وقد أشار بيان وزارة الخارجية المغربية آنذاك إلى «تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب إثر تضامنه مع البحرين، إضافة إلى نشاطات ثابتة لسلطات طهران، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط، تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة المغربية، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي». يذكر أن المغرب وإيران عاشا مرحلة القطيعة بعد قيام الثورة الإيرانية في طهران، وسقوط نظام الشاه، حيث منحت الرباط حق اللجوء السياسي للإمبراطور محمد رضا بهلوي، كما وقف المغرب إلى جانب بغداد إبان الحرب العراقية - الإيرانية. ولم تفتح السفارة الإيرانية في الرباط، ونظيرتها المغربية في طهران، أبوابهما إلا في سنة 1991، وهي السنة التي عرفت فيها العلاقات بين البلدين انفتاحا سياسيا عقب حركة دبلوماسية مكثفة جرت بين مغرب «الحسن الثاني»، وإيران «آية الله»، لكن ثمة مسألة ظلت عالقة بين البلدين، هي موضوع اعتراف طهران بـ«الجمهورية الصحراوية» التي أعلنتها جبهة البوليساريو عام 1976 من جانب واحد، وبدعم من الجزائر. وكان عبد الرحمن اليوسفي رئيس الوزراء المغربي الأسبق قد زار طهران زيارة رسمية عام 2002، وأبلغ آنذاك رسميا أن إيران ستغلق مكتب ممثلية جبهة البوليساريو في طهران، بيد أن إيران لم تسحب أو تجمد اعترافها بـ«الجمهورية الصحراوية»، وقايضت إيران سحب الاعتراف بـ«جمهورية البوليساريو» بإعلان المغرب موقفا مساندا لها بشأن قضية الجزر الإماراتية. وأبلغ محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب آنذاك نظيره الإيراني أنه لا يمكن وضع نزاع الصحراء ومسألة الجزر في كفة واحدة، باعتبار أن نزاع الصحراء يتعلق بمسألة الاعتراف بـ«دولة جديدة» تدعم الجزائر قيامها في المنطقة، وتقتطع من التراب المغربي، بينما موضوع الجزر نزاع على السيادة ولا يتعلق بقيام دولة جديدة فيها. وراهنت الرباط وطهران على الزمن للتخلص من هذا الموضوع الشائك في خصر علاقتهما التي شابها دائما طابع الحذر والحيطة منذ سقوط نظام الشاه. وزادت الشكوك في علاقات البلدين حينما أعلنت الرباط منتصف فبراير 2007 عن تفكيك خلية وصفتها بـ«الإرهابية»، وهي شبكة عرفت فيما بعد باسم «شبكة بلعيرج»، نسبة إلى اسم مهاجر مغربي يعيش في بلجيكا، اتهم بإدخال أسلحة إلى المغرب وتجنيد أشخاص من داخل المغرب وخارجه، هذا إلى جانب عمل إيران على انتشار التشيع في صفوف الجاليات المغربية في أوروبا، وخاصة في بلجيكا وإسبانيا. ومن ثم يأتي رد الفعل الهادئ للمغرب على تزايد التوتر بين الرياض وطهران، حسب كثير من متابعي ملف العلاقات بين البلدين، للحيلولة دون تردي العلاقات المغربية - الإيرانية، التي ما زالت تعاني من البرودة الناتجة عن سنوات طويلة من التوتر والصراع رغم بعد المسافة الجغرافية التي تفصل بينهما.