قد يكون في مقالي اليوم من (الأسى) ما قد يضيق به صدري، وأنا الذي أتعمد أن أفتعل الفرح رغم أنفي، بل (ورغم الرغم) من الشقاء الذي يكاد يصمخ أذني، ويفقأ بؤبؤ عيني على ما أسمعه وأشاهده في وسائل الاتصال. فأين المهرب وأين الملجأ، وحالنا في هذا العالم العربي التعيس لا يقل عن حال ابن النبي (نوح) الذي أراد والده أن ينقذه من الطوفان ويركب معه في السفينة، وعصاه وهو في خضم الأمواج المتلاطمة، قائلاً إنه سوف يلجأ إلى جبل يعصمه من الماء، فلا وصل إلى الجبل وعصمه، ولا حتى الماء رحمه وأنقذه. وهكذا نحن وكأننا تسلسلنا من نطفة ذلك الابن العاق. فأي خريطة جغرافية في هذا العالم تحتويها هذه الخريطة الجغرافية الشرق أوسطية المشوهة القميئة الممقوتة والمحروقة، ليس فقط من أطرافها الأربعة، لكنها محروقة حتى في صميم أكباد أبنائها. أعرف أن هناك حروبًا ومصائب ونكبات اجتاحت العالم طوال القرن العشرين بكامله، غير أن أكثر شعوب العالم تعلمت واستوعبت أن الضربة التي لا تميتها تقويها، فلماذا نحن بالذات نأكل على رؤوسنا الضربات تلو الضربات، فلا نحن وعينا ولا نحن قوينا، ولا نحن على الأقل متنا واسترحنا؟ أصبحنا - ويا للأسف - نجوم وأباطرة وأضحوكات نشرات الأخبار في كل وسائل الإعلام العالمية، بهذا (العك) والسفه والغباء والعنتريات السخيفة التي لا تتوقف، ومنذ أن فتحت عيني على الدنيا، وأنا من فجيعة إلى أخرى، ولا أستبعد أن أكثركم عايشوا ذلك. ولو أنكم سألتموني ما هي أكره وأسخف كلمة تسمعها؟ لقلت لكم هي كلمة (المؤامرة)، وهي حجة البليد الذي يريد أن يرمي خياباته على الآخرين. أين نحن من (فيتنام) مثلاً، التي دكتها أميركا دكًا، وبعدها خرجت هي من تحت كل ذلك الركام الممتلئ بالدماء والدموع، وها هي اليوم قد نهضت وميزان مدفوعاتها التجارية يرجح على أميركا. وألمانيا، وهي ألمانيا بجلالة قدرها، ساواها (الحلفاء) بالأرض في الحرب العالمية الثانية، وعندما انتهت الحرب وتقاطر الصحافيون ليشاهدوا أو ينقلوا صورة ومأساة ذلك الشعب الجائع المحطم، فإذا بصحافي يسأل طفلة ألمانية عمرها عشر سنوات: ما هو أسعد يوم في حياتك؟! أجابته قائلة: إنه اليوم الذي مات فيه أخي الأكبر، فأخذت حذاءه وملابسه الداخلية. هذه الطفلة عندما تقصوا عنها فيما بعد إذا بها بعد ثلاثة عقود أصبحت طبيبة أطفال. إحنا فين والعالم فين؟! وقبل أن أنسى فقد سألني أستاذي (سمير عطا الله) في مقال له: هل أنت يا مشعل تريد أن تضحكنا أم تبكينا؟! وأقول له: إنني أضحك من خلال الدموع، والعكس يا مولاي صحيح.