تأتي أهمية دراسة اللغة العربية في الأنظمة السعودية من أنّ اللغة هُوُية الأمة، وأعظم مقومات وجودها، فهي مكون أساس في تشكيل هوية أيّ مجتمع، لأنها وعاء ثقافته وحضارته هذا المقال جزء من دراسة أنجزتها ونشرت ضمن إصدارات مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية, وأنشرها هنا مختصرة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية. يقصد بالأنظمة السعودية، القوانين التي تحكم المعاملات والعلاقات في المملكة العربية السعودية، وقد عملت الدولة بمصطلح الأنظمة (لأسباب تاريخية؛ حيث كانت هناك بعض القوانين المطبقة في الجزيرة العربية في الفترة قبل تأسيس المملكة العربية السعودية مباشرة، تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ولما أسست الدولة، رأى القائمون على الأمر – في ذلك الوقت – ضرورة استبعاد كل ما يمت بصلة للقوانين التي تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وأول شيء استبعدوه هو اصطلاح القانون نفسه؛ حتى لا تتشابه القواعد المستمدة من الشريعة مع التي تخالفها، واستبدل النظام باصطلاح القانون). تعدّ الأنظمة والقوانين خطابًا أو نصّاً نموذجياً لا يكتسب قيمته إلاّ إذا تحوّل إلى واقع مُنجز، فنصّ القانون ليس مُجرّد كلمات أو علامات، وإنّما هو مجموعة شديدة التعقيد من الخطابات والممارسات. تأتي أهمية دراسة اللغة العربية في الأنظمة السعودية من أنّ اللغة هُوُية الأمة، وأعظم مقومات وجودها، فهي مكون أساس في تشكيل هوية أيّ مجتمع، لأنها وعاء ثقافته وحضارته. كما تأتي أهمية الدراسة في نقل صورة واضحة لمتخذ القرار في المملكة عن واقع اللغة العربية في الأنظمة السعودية، وجوانب القصور فيها، والسعي نحو تطويرها، وإمكانية جمعها في نظام موحّد, يضمن عدم التضارب والتعارض فيما بينها. ومن الأسئلة التي طرحتها الدراسة: ماذا تتناول هذه الأنظمة المتعلقة باللغة العربية؟ وكيف صدرت؟ وما أهميتها؟ ومن يتابعها؟ وهل تلك المتابعة فاعلة؟ وهل لها تأثير في الشوارع والأسواق التجارية والسلع والخدمات، والإدارة، والإعلام، والإعلان؟ وماذا عن العقوبات المتعلقة بالمخالفين؟ وقد تبين من الدراسة أنّ الأنظمة التي عرضنا لها تتناول استعمال اللغة العربية في الفضاءين العام والخاص في بلادنا، وقد جاء بعضها ضمن أنظمة صدرت بمراسيم ملكية مثل: نظام وثائق السفر، ونظام الإذاعة، ونظام العمل والعمال، ونظام الدفاتر التجارية، ونظام البيانات والأسماء التجارية، كما صدرت قواعد تنظيم لوحات الدعاية والإعلان بأمر سام، ما يشير إلى ما تحظى به العربية من أهمية لدى واضع النظام، وانعكاس تلك الأهمية على ما تضمنه النظام من تأكيد على ضرورة استعمال اللغة العربية. ومع ذلك لم تنل تلك التوجيهات عناية كافية واهتماما ملحوظا في تطبيقها، لاسيما أننا نجد تباعدًا زمنيًا بين إصدار النظام والدعوة إلى تطبيقه، والتلويح بعقاب المخالفين فيما صدر عن الوزارات ذات العلاقة. وأكثر من ذلك ما لاحظناه من عدم تنفيذ الأمر أو التوجيه من الجهات الحكومية نفسها، حيث تكشف الأخطاء اللغوية في تلك المكاتبات عن عدم الجدية في تلقي تلك المراسيم، وما يتعلق بها من توجيهات خاصة بتجويد اللغة، بل حتى في مجال الاتفاقيات الحكومية والمذكرات الدولية، لوحظ عدم العناية بالنصوص المكتوبة باللغة العربية، حيث وجه وزير الشؤون البلدية والقروية تعميمًا يشير فيه إلى الأمر السامي رقم 4153 \م ب وتاريخ 5\6\1427، بشأن ما لاحظته وزارة الخارجية من وجود تباين في نصوص بعض الاتفاقيات، ومذكرات التفاهم الثنائية، أو الدولية التي تبرمها المملكة مع الدول الأخرى، الموقّع عليها باللغة العربية عن الموقّع عليها باللغة الإنجليزية بسبب قصور في الترجمة. وفي العام 1430 صدر أمر سامٍ آخر يؤكد على تلك المسألة، عندما لوحظ عدم العمل بما جاء في الأوامر السامية السابقة من قبل الجهات الحكومية المعنية، مما استدعى توجيه تعميم لمنسوبي الوزارات كافة يتضمن (التأكيد على جميع الجهات الحكومية العناية بدقة ترجمة النسخة العربية وسلامتها، لتكون مطابقة للنص المرجح في الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تبرم مع الأطراف الخارجية نرغب إليكم إنفاذ الأمر السامي الكريم والتقيد بمضمونه بكل دقة). إن إلزامية القواعد القانونية أو الأنظمة، تعنى أن عدم احترامها يؤدي إلى العقاب، أو إلى فرضها بالقوة، أو إلى إبطال ما يخالفها. فهناك علاقة جدليّة بين النصّ والواقع، أو بين المعيار والاستعمال، فالمعيار هو المثال الحاضر في النصّ، والاستعمال هو تطبيقه في الواقع. لكنّ الاستعمال في بلادنا يشي بعدم احترام المعيار، ولا مبالاة المعنيين بفحوى النصّ، فلغة الإدارة مثلا يشوبها كثير من الأخطاء التي تكشف عن ضعف لغوي يعتري القائمين على صناعة الخطاب الإداري، أما في المستوى العام فما زالت شوارعنا وأسواقنا ومؤسساتنا تعج بمخالفات لغوية صريحة، وانتهاك صارخ لحرمات اللغة، واستهتار واضح بما وُجه للمسؤولين عنها من تعليمات، لاسيما في لغة الإعلانات التجارية، سواء في ذلك ما ينشر في الصحف، أو ما يوزع من نشرات على البيوت، أو ما يعلق في الشوارع، أو ما يبث في اللوحات الإلكترونية. وهذا يؤكد أن العقوبات المعلنة ليست ذات فاعلية، لاسيما إذا ما قسناها بالعقوبات التي نصّ عليها مجلس الشورى في قراره الصادر في فترة مبكرة (عام 1371ه) الذي يقضي بضرورة استعمال اللغة العربية في القيودات والمكاتبات والمعاملات التي تصدر عن الشركات الأجنبية والأفراد، ومن يخالف يتعرض لغرامات مادية تتصاعد حتى تصل إلى الحرمان من التوريد والتصدير لمدة سنة. وكانت وزارة التجارة قد أعلنت أنها ستبدأ اعتبارًا من 1/1/1434ه في ضبط مخالفات عدم التقيد باستخدام اللغة العربية في البيانات التجارية، وأن عقوبة ذلك تصل إلى (100.000) وعند تكرار المخالفة تضاعف الغرامة، ويغلق المحل سنة كاملة ولا نعلم مدى جديتها في تطبيق ما هددت به. أهم التوصيات في مجالات تطوير العربية في الأنظمة السعودية: لما كانت اللغة العربية لغة القرآن الكريم، فقد نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم على أن لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية. نبع هذا النصّ من شعور بأهمية اللغة العربية كعنصر وحدة وانتماء للوطن العربي، وترابط بين أفراد الأمة. ويعدّ نظام الحكم بطاقة تعريف بالدولة، به تبرز ذاتها وشخصيتها، أي هُويتها، إن لم نقل إنه هو الهُوية نفسها بكل ما تشكلها من قيم ومقومات، وقد ارتبطت الهُوية بالإسلام الذي أصبح اعتناقه مع اللغة العربية رمز الانتماء إلى هذه الهُوية التي لا تعني مدلولها الجنسي أو العرقي، ولكن تعني بعدها الفكري والثقافي والقيمي. وبناء على هذا، لابدّ من أن تتكاتف جهود كل المؤسسات ذات العلاقة باللغة على وضع استراتيجية شاملة للنهوض بها، وسنّ سياسة لغوية وطنية جريئة انطلاقا من ورود كلمة (العربية) في نظام الحكم، ومن واقع استعمالها في بلادنا، سعيا نحو تطويرها في الميادين الإعلامية والتشريعية والإدارية. ضرورة استعمال اللغة العربية لما له من انعكاسات إيجابية، مجتمعيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، فمن الناحية الاجتماعية، فإنّ استخدامها على نطاق واسع يربط بين أبناء المجتمع ولغتهم، ويؤكد على هُويتهم، كما أنّ لذلك بعدا تعليميا يعمل على ترسيخها في أذهان الصغار عندما يشاهدونها في كل مكان يرتادونه. ومن الناحية الاقتصادية فإنّ اللغة العربية تساعد التجار على ترويج بضائعهم بصورة كبيرة بين أبناء اللغة، كما تساعد المستهلك على فهم كل ما يحيط بالسلع من معلومات لها درجة عالية من الأهمية صحيًا وماديًا، ما يجنب كلا الطرفين التاجر والمستهلك كثيرًا من الخسائر، ومن الناحية الأمنية فإن كتابة أسماء المؤسسات والمحلات التجارية وغيرها باللغة العربية، يساعد رجال الشرطة وغيرهم ممن يعنون بمراقبة الشوارع والمنشآت على حفظ الأمن، وكان وزير الداخلية قد كتب للمقام السامي من أنّ عدم كتابة أسماء المؤسسات والمحلات التجارية باللغة العربية يخل بأمن الوطن. - تحديث الأنظمة السعودية المتعلقة باللغة العربية تحديثًا لغوياً ينسجم والتطورات التي تشهدها بلادنا، انطلاقا من أن الخطاب القانوني أو الإداري محكوم باللغة ؛ فهي أداة صياغته ووسيلته تعبيره، ولمّا كان القانون خطابًا معبّرًا عن بُنى فكرية، كانت اللغة بقواعد نحوها وتركيبها متحكمة به، فهو لا يستطيع تحقيق وظيفته الأساسية كخطاب يفهمه المتلقون المعنيون به إلا إذا خاطبهم بلغة يفهمونها، لذا فإنّ الأنظمة نفسها بحاجة إلى إعادة صياغة تقنن المشهد اللغوي، وتكرّس احترام اللغة العربية بوصفها لغة رسمية في مختلف مرافق الشأن العام والخاص. - المعالجة الشاملة للسياسة اللغوية، بانتهاج سياسة واضحة تضمن للغة العربية مكانتها اللائقة بها، وفق تصور متكامل مدعوم بعدة تدابير نظامية، وما دامت اللغة العربية هي لغة الدولة في خطاباتها ومراسلاتها ووثائقها واتفاقياتها الرسمية، فإنّه ينبغي بذل كثير من الاهتمام باللغة التي يصاغ فيها كلّ ذلك، بتقوية موظفيها وإدارييها وطاقم سكرتاريتها في اللغة العربية، حيث يعج الخطاب الإداري السعودي في كثير من المستويات، بالأخطاء النحوية والإملائية والتركيبية، وسوء استخدام علامات الترقيم. - تقتضي المعالجة الشاملة لواقع العربية، تنقيتها من العبث بها وبألفاظها وقواعدها وأساليبها،وتلويثها بإقحام العامية فيها، أو تهجينها بكلمات أجنبية. - أهمية التصويب اللغوي في الخطاب الإعلامي وترقيته، وإعلاء دوره في النهوض باللغة العربية، ومما تجدر الإشارة إليه أنّ السياسة الإعلامية في المملكة تتكون من ثلاثين مادة، وقد خصصت المادة السابعة عشرة للغة العربية، لكن هذه المادة نفسها تعج بالأخطاء الإملائية والتركيبية، علاوة على أنه لا وجود لمعظم ما ورد فيها في مستوى التطبيق. ولا يفوتنا أن نذكر أنّ نظام المطبوعات والنشر يتكون من تسع وأربعين مادة ليس من بينها مادة خاصة باللغة العربية، مع ما للمطبوعات من علاقة وثيقة باللغة. وأنّ اللائحة الداخلية لمجلس الشورى لا توجد فيها مادة تحث الأعضاء على التحدث بالعربية الفصحى، وكثيرًا ما نسمع بعضهم يتحدث بالعامية، أو بعربية يشوبها كثيرمن اللحن. إنّ الاهتمام باللغة واجب وطني وديني، ومسؤولية على الجميع أن يتحملها ويناضل من أجلها لحمايتها والدفاع عنها، بدءاً من الدولة وانتهاءً بالمواطن، باتخاذ قرار سياسي سلطوي واضح وصارم بهذا الشأن، وعدم الاكتفاء بتعميم أو شبهه من هذه الوزارة أو تلك وهي نفسها لا تطبقه.