يضم الجسم نحو تريليون خلية تعمل كلها وفق نظام معين، ويمكن لأي خلية منها أن تخرج عن هذا النظام فتتحول من خلية سليمة الى خلية سرطانية تتكاثر لتعطي جحافل أخرى من الخلايا التي لا تغزو غيرها، فتقتحم في البداية جيرانها لتصل بعدها إلى مناطق أخرى في الجسم. ويصيب السرطان الجميع، كباراً وصغاراً، لكن سرطان الأطفال يتطور بسرعة كبيرة مقارنة بسرطان الكبار، ما يترك تداعيات سلبية كبيرة على جسم الطفل من خلال تدمير أعضائه، واستنزاف طاقته، وهدم مناعته لمواجهة الأمراض الأخرى، خصوصاً الميكروبية منها. وهناك أنواع لسرطانات الأطفال، أشهرها سرطان الدم، وسرطان الغدد الليمفاوية، وسرطان الدماغ. ويشاهد السرطان في أي مرحلة عمرية، بدءاً من الولادة وحتى عمر 16 سنة. ما هي أسباب السرطان عند الأطفال؟ ما زالت أسباب السرطان في مرحلة الطفولة غير معروفة، لكن الشكوك اتجهت منذ زمن بعيد إلى العامل الوراثي، وهذا ما أكدته بالفعل نتائج دراسة أميركية حديثة نشرت في مجلة «نيوانغلاند» الطبية، فعلى ما يبدو أن نشوء الأورام الخبيثة في تلك المرحلة مرتبط بوجود استعداد جيني. لقد رصد باحثون أميركيون التسلسل الجيني لأكثر من ألف طفل وبالغ مصابين بالسرطان، وبعد تحليلهم للمعطيات تبين أن حوالى 9 في المئة منهم جاء الى هذه الدنيا وهو يملك جينات تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالسرطان، وأن 40 في المئة من هؤلاء ينتمون الى عائلات سجل لديها تاريخ معروف بالإصابة السرطانية، وهذا ما يشير إلى أن التاريخ العائلي وحده لا يعتبر دليلاً قوياً لتوقع إصابة الطفل بالسرطان. وتعليقاً على النتائج قال الباحث جيمس دوانينغ من مستشفى «جود» للأطفال في ممفيس الذي شارك في الدراسة، أن هذه النتائج تمثل منعطفاً مهماً في فهم أخطار سرطان الأطفال وقد تؤدي الى تغيير في كيفية تقويم حالات المرضى. في المقابل هناك عوامل خطر قد تشجع على الإصابة بسرطان الطفولة مثل تقدم سن الوالدين، والتعرض للعدوى الفيروسية في الطفولة، كالتهاب الكبد بي ومرض نقص المناعة المكتسب. والتعرض للمصادر المشعّة والسموم البيئية والمبيدات الحشرية والنباتية. ما هي عوارض سرطان الأطفال؟ إن العوارض تختلف وفق نوع السرطان ومكان وجوده، فسرطان الجهاز اللمفاوي يعطي انتفاخات في العقد اللمفاوية، وسرطان الدماغ يتسبب في حدوث عوارض تشبه زيادة الضغط داخل القحف، من أبرزها الصداع المتكرر والغثيان عند الاستيقاظ من النوم صباحاً. وسرطان الدم يتظاهر بعوارض فقر الدم أو بالنزف أو بتكرار حدوث الالتهابات. كيف يشخص سرطان الأطفال؟ يعتمد التشخيص على الفحص الطبي المدعوم بالفحوص المخبرية والشعاعية والنسيجية اللازمة. ويعتبر التشخيص المبكر حجر الأساس في الحصول على نسب شفائية عالية، لكن، وعلى رغم التقدم المبهر على صعيد الفحوص الطبية، ما زالت هناك حالات سرطانية لدى الأطفال لا تكتشف إلا في مراحلها الأخيرة، ما يترك عواقب وخيمة، ليس على الطفل المصاب وحسب بل على أهله أيضاً. إن التشخيص المتأخر للسرطان أرجعه البعض الى بضعة أسباب، منها عدم أخذ الطبيب في الاعتبار أن العوارض التي يشكو منها الطفل قد يكون السرطان وراءها، أو أن الطبيب يصف أدوية الكورتيزون لمعالجة الحساسية من دون نفي إصابة الطفل بمرض سرطان الدم فتكون النتيجة أن العقار يعمل على تمويه العوارض الخاصة بالسرطان، ما يعطي فرصة لخلايا السرطان الخبيثة في التغلغل أكثر فأكثر في جسم المريض وبالتالي يتأخر التشخيص. وهناك التأخر في التشخيص بسبب تنقل الطفل من طبيب إلى آخر أو من مركز طبي الى آخر، فتمر فترة طويلة يتبين في نهايتها أن الطفل يعاني من السرطان... لكن بعد فوات الأوان. وهناك جهل الأهل بالعوارض التي قد تكون ناتجة من السرطان، ورفضهم إجراء الفحوص الضرورية، لحجة هي أقبح من الذنب، لاعتقادهم بأن السرطان يصيب الكبار فقط وليس الأطفال. إن الشفاء من السرطان عند الأطفال وصل الى نسب عالية بفضل التشخيص المبكر الذي سمح في وضع الخطوط العريضة لخطط علاجية ناجعة، خصوصاً أن استجابة الأطفال للعلاج تكون أكثر وأسرع مما عليه الحال عند الكبار، وهم، أيضاً، أكثر قدرة على تحمل العلاجات المكثفة والمضاعفات. فيا أيها الأهل إذا لاحظتم على طفلكم عارضاً أو أكثر من العوارض الآتية فبادروا فوراً الى استشارة الطبيب أو أقرب مركز طبي لأنه قد يكون من علامات السرطان: - الحمى غير المبررة التي تتكرر أو تستمر فترة طويلة ولا تستجيب العلاج. - قلة النشاط وفقدان الشهية على الطعام. - هبوط الوزن السريع غير المبرر. - الشحوب غير المفسر. - المعاناة من ألم موضعي دائم لفترة طويلة. - سهولة النزف من الفم أو الأنف. - سهولة التعرض للكدمات على الجلد. - وجود انتفاخات عقدية في مناطق من الجسم. - وجع الرأس المستمر المصحوب بالتقيؤات وفرط النوم. - اضطرابات على صعيد العين والرؤية. - اصابة الطفل بالعرج من دون سبب واضح. - اضطرابات في التوازن واختلال في الحركة. لا شك في أن العوارض المذكورة تشاهد في طائفة واسعة من الأمراض غير السرطانية، إلا أنها تعتبر مؤشرات تستدعي التحري والمتابعة وإجراء المزيد من الفحوص لأن السرطان قد يكون السبب، من هنا على الأهل التنبه لهذه العوارض، خصوصاً اذا استمرت فترة من دون أن تستجيب للعلاجات الاعتيادية المعروفة. بقي أن نعرف الجواب عن السؤال الآتي: هل يجب إخبار الطفل بمرضه وحالته الصحية؟ الجواب: نعم، فقد كشفت التحريات أن الطفل الذي يعلم بمرضه وحالته الصحية يكون وضعه أفضل من زميله الذي يحاول أهله إخفاء المرض عنه، كما أثبتت الدراسات أيضاً أن الطفل الذي يوضع في صورة مرضه تكون استجابته للعلاج أفضل. والطفل بطبعه ذكي جداً لذلك فهو يقدر أن يتوصل، الى جمع المعلومات المتعلقة بوضعه الصحي، فحريّ بالأهل أن يخبروه بطريقة مدروسة وبعبارات تتناسب وعمره، لضمان استقراره، خصوصاً على الصعيد النفسي.