من يتأمل في اللحظة التاريخية التي تمر بها أمتنا ومنطقتنا يستوقفه بكل تأكيد حجم المشروع الإرهابي الذي يستهدف دولنا وطبيعة طموحاته العبثية التي تجاوزت كل سبق للخوارج والحشاشين أن طرحوه أو حتى حلموا به إلى محاولة تأسيس واقع فوضوي متراكب لا تعرف فيه بداية ولا نهاية، ولا تبقى فيه دول ولا شعوب. نقول هذا ونحن نرقب على وجه الخصوص طبيعة مشروع داعش على سبيل المثال بما يمثله من رأس حربة إرهابية لمأسسة الفوضى والجريمة المنظمة وتنصيبهما مظلة سوداء تمطر حقداً وسموماً على منطقتنا، وهو ما يطرح بالتالي السؤال المشروع: ما موقفنا نحن مما يجري؟ الحكومات والدول قالت كلمتها، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة؛ دولتنا الغالية العزيزة، بانضمامها لشقيقاتها في التحالفين الدولي والإسلامي لمكافحة الإرهاب إضافة إلى تفعيل الإجراءات التشريعية والقانونية والأمنية للتصدي لهذه الآفة القاتلة ومكافحتها سواء على صعيد السلوكيات الفردية أو الجماعية. لكن الشق الأخطر من هذا السؤال لا يتعلق بالحكومات، قدر ما يتعلق بنا نحن؛ أنت وأنا وعائلتك وعائلتي وكل واحد فينا. فنحن وأبناؤنا من يستهدفهم الإرهاب الأسود؛ سواء بالتجنيد ومحاولة بيع الحكاية الآثمة وإقناعنا بها، أو بالأعمال الإرهابية والإجرامية المدمرة والقاتلة، أو حتى بنتائج ما يؤسس له تنظيم الغربان السود من فوضى ممنهجة واستباحة شاملة للأعراض والأموال والدماء. إن أحداث الشهور والسنوات الماضية تمثل ناقوس خطر يدق أمام كل واحد منا، تدعوه لكي يقوم بواجبه بدون أي تقصير في مكافحة هذه الرذيلة الفكرية والجريمة الظلامية والاعتداء الصارخ على الدين والأمة والأمن والأمان من قبل شذاذ آفاق لا يرعون لله ولا لعباده إلاً ولا ذمة. وهذا يتطلب من كل واحد منا، من كل بيت ومن كل عائلة ومن كل ولي أمر ومن كل مدرس ومن كل مرب ومن كل إمام مسجد ومن كل مسؤول محلي أو أكاديمي؛ باختصار من كل واحد فينا أن يرفع منسوب الحذر ومستوى الإنذار الداخلي المبكر للتنبيه عن أي خلل في التفكير أو عبث بالقيم والعقيدة، عن أي تسلل ولو ضئيل للمنطق الداعشي أو الإخواني أو القاعدي الإرهابي المرفوض؛ فكلهم في الإجرام والإرهاب سواء، ولكنا بالنسبة لهم ذبائح حلال يستبيحون دماءنا وأعراضنا وأموالنا وبلداننا. المعادلة بسيطة: طالما هم لا يرعون فينا إلاً ولا ذمة، ولا يستثنون منا أحداً، فلماذا نخشى فيهم لومة لائم ونحن في موقع الدفاع الشرعي عن النفس والعقيدة والوطن والعرض والأهل؛ ديناً وقانوناً ومنطقاً. طالما هو يقبل أن يقتلك حتى لو كنت أباه أو أخاه فما الذي تنتظره قبل أن تتصرف وتحمي نفسك وعائلتك وبلدك، ودينك من قبل ومن بعد. وما أريده من هذه الكلمات هو التأصيل على مجموعة من الاقتراحات العملية سواء للتعريف بطبيعة الخطر الذي نواجهه ومجالات عمله واختراقه، أو بالأركان التي ينبغي علينا الاستناد إليها في تحصين مجتمعاتنا أو الدور المطلوب من كل منا أن يلعبه في عملية التحصين والتأمين المطلوبة. إنني لا أتوقع من أحد أن يقوم بدور رجل الأمن؛ لكن إذا لم نكن جاهزين لكي نكمل الحلقة مع رجال الأمن، ونكون الأعين الواعية والقلوب الحذرة والآذان المستيقظة فإننا نكون عندها مقصرين في القيام بواجبنا الوطني والشرعي في التصدي للفكر الضال المنحرف ومن وراءه ممن يفتئتون على الله ورسوله وشرعه الحنيف. وعلينا أن نتذكر أن هنالك أدواراً لا يستطيع رجل الأمن أن يقوم بها، فهو لا يستطيع أن يقوم بتربية ابنك نيابة عنك، ولا يستطيع أن يفهم التفاصيل الصغيرة في سلوكيات أبنائك في المنزل التي تدل على أنهم تغيروا عما عهدتهم عليه، ولا يستطيع أن يدرك أن ابنتك التي كانت تقفز فرحاً بعودتك أصبحت تتجنبك وتنعزل في غرفتها لساعات أو أيام، إلا إذا أخبرته أنت بذلك وطلبت مشورته. هذا هو بيت القصيد وهذه هي أهمية العمل الجماعي والمتكامل المطلوب منا جميعا في التصدي للإرهاب وداعش والإخوان والقاعدة وغيرها من التنظيمات السوداء، وفي هذه المعركة كل جهد مهم وكل يد مهمة وكل رأي إيجابي مفيد وكل ساعد يساعد وكل عضد يعين. المطلوب أن يدرك كل واحد منا وهو يقرأ هذه الكلمات أن دوره لا يقل أهمية عن غيره، فالمعلم هو تماماً مثل الجندي على الثغور، وإمام المسجد مثل رجل الأمن، والأب مثل الطبيب النفسي؛ كلنا نعمل من أجل رفعة هذا الوطن والدين وحماية هذه البلاد وعزتها ومنعتها، وكلنا نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض ضد الإرهاب وضد داعش وضد كل من تسول له نفسه المساس بدولتنا وأرضنا وديرتنا. ولعل خلاصة ما أريد أن أقوله هنا عبارة بسيطة: أنت على ثغرة من ثغور الإسلام (والوطن) فلا يؤتين الإسلام من قبلك.