رغم استوائه على منصة فاقعة في مذهبيتها، يحرص حزب الله على نفي الطبيعة المذهبية للصراع الذي ينخرط فيه في سوريا ولبنان والمنطقة. لطالما نافح الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أن دعوا الصراع يأخذ مداه السياسي، مستنكرًا «مذهبته». وفق منطقه، يصير «ترانسفير» سُنة القلمون والزبداني والقصير عملاً سياسيًا. ويصير عنوان «زينب لن تسبى مرتين» لحربه على الشعب السوري، نظرية في علاقات دول الجوار! أما أسماء الميليشيات الشيعية المقاتلة ضمن مشروع الهيمنة والتوسع المذهبي الإيراني، فهي صفوة السياسية، أكان اسم الميليشيا لواء فاطميون أو لواء الزهراء أو عصائب أهل الحق! لا يقل في المقابل الجذر المذهبي والنَسَب الطائفي لمن يقاتلهم حزب الله، لكن المقزز أكثر في حالته أنه يفوق خصومه في التشديد المزيف على نبذ المذهبي والتعالي عليه! وهذا تفضحه وتعريه «سقطات» صادقة ودقيقة في تعبيرها عن عقيدة الحزب وطبيعته المغرقة في مذهبيتها. انظر مثلاً ما كتبه مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، الدكتور إبراهيم الموسوي، على صفحته على موقع «فيسبوك»، عن مقتل زهران علوش والمقارنة التي عقدها. لكن دعك عن الافتعال الذي يعتري هذه المقارنة، والذي أوقع الموسوي في خطأ تاريخي، نتيجة ليه عنق الحقيقة لمواءمة مقارنته الدعائية. فالحقيقة أن يزيد المشار أليه مات وعمره 36 عامًا في ريف حمص، بعد حكم 3 سنوات، وبعده بعام توفيت زينب. أما علوش فمات وعمره 44 عامًا في ريف دمشق، ولم يحكم إلا ضاحية دمشق، على ما أوضح وصحح الكاتب الصديق حسين عبد الحسين. المهم، هو النتانة المذهبية التي تنبعث من مقارنة كهذه، من حزب هو صاحب أعلى صوت في قدح المذهبي والاعتراض عليه. وهي تفضح بيسر استراتيجية صناعة الخوف التي ينتهجها حزب الله لتعبئة جمهوره، تارة ضد الخليج والسعودية، وطورًا ضد الأغلبية السورية التي يقاتلها! بالخوف يكتل جمهوره ويقوده إلى خيارات لا تلتقي مع مصالحه بالضرورة، خاصة إذا كانت هذه المصالح تتصل بشؤون الحياة وعادياتها من معيشة واقتصاد وأمن. فالخائف على حياته، لا يقيم وزنًا لما هو أبعد من الحياة المهددة، ولا يملك ترف الانتباه للعاديات المذكورة. صناعة الخوف التي تستثير الهويات الفرعية، تجعل من الكل جسمًا واحدًا، أو هكذا يريد حزب الله أن يوحي. فالشيعي مهدد كشيعي، أكان في الخليج أو في سوريا أو نيجيريا التي شملها نصر الله مؤخرًا بعطف خطاب صناعة الخوف. قصة نيجيريا قصة كلاسيكية من إفرازات الثورة الخمينية في إيران، التي، كما الوكالة اليهودية سابقًا، لا تلبث تحث الشيعة للتعبير الحاد عن خصوصياتهم المذهبية، عبر شخصيات تنتجها وترعاها، أكان اسمها الشيخ نمر النمر في السعودية، أو الشيخ إبراهيم زكزكي في نيجيريا. المفارقة، وبحسب تقارير إعلامية موثوقة، أن تجارًا لبنانيين كبارًا في نيجيريا بعثوا برسالة استياء من كلام نصر الله عن الأوضاع في نيجيريا، بعدما تلقّوا بدورهم اعتراضًا من المسؤولين هناك، وتمنّوا عدم التدخل في شؤون البلاد حماية لمصالحهم! وهذا تعبير آخر يفضح ثقافة صناعة الخوف وزيف منطقها. فكيف يكون الشيعة مهددين كشيعة إذا كان أبناء الطائفة قد صنعوا على مدى عقود ثروات ضخمة في نيجيريا وغيرها من دول القارة السمراء، أو صنعوها في الخليج. أو ممن شكلت لهم سوريا وشكلوا لها حاضنة دائمة وعمقًا اجتماعيًا حيويًا. لماذا لم يكونوا شيعة طوال عشرات السنوات بمثل ما هم شيعة اليوم ومستهدفون بسبب من شيعيتهم؟ لا يجوز طبعًا إلغاء البعد التكفيري لجماعة كـ«بوكو حرام»، لكنه تكفير يطال السنة بمثل ما يطال الشيعة أنفسهم، وهذه حال التكفير في العراق وسوريا والخليج وكل العالم الإسلامي. الحقيقة أن المستهدف هم شيعة المشروع المذهبي التوسعي الإيراني، وليس الشيعة بوصفهم شيعة. وهؤلاء إن استهدفوا فليسوا أكثر عرضة من السنة الذين لا يشاركون «بوكو حرام» و«داعش» منهجهما الإسلامي. المستهدِف والمستهدَف هو المشروع الأمني لإيران، الذي يحرق الشيعة وقودًا لمحركاته، ويقدم كل المبررات الموضوعية لاستعداء الشيعة وتعريض مصالحهم وأرزاقهم وأعمارهم للخطر. الشيعة بخير إذا كفت إيران شر ولايتها عنهم وتركتهم يصوغون علاقات طبيعية وتطبيعية مع مجتمعاتهم، يصححون حيث يقع الظلم ويتراجعون حين يبالغون في ظلم الآخرين. أما شيعة المشروع المذهبي الأمني الإيراني، فهم وجه آخر لـ«بوكو حرام» بمثل ما أن نص إبراهيم الموسوي وجه آخر لفتاوى البغدادي ومنطوق زهران علوش.