كان يوم الجمعة الماضي يوماً استثنائياً بكل المقاييس؛ بمقياس الشرف، الذي أحرز جنود الإمارات البواسل فيه مكانة لا يستطيع الارتقاء إليها أحد، وبمقياس الانتماء للوطن، الذي سجل فيه شعب الإمارات موقفاً جعل الجميع يقفون احتراماً له، وبمقياس الولاء للقيادة التي توجه دفة الوطن نحو ما يحقق له الأمن والاستقرار، ويحافظ له على منجزاته، ويبعد عنه كيد الأعداء، ويحبط خطط المتآمرين والمتربصين. يوم الجمعة لم يسقط لدولة الإمارات 45 شهيداً، وإنما ارتقى لها في سلم المجد 45 بطلاً من أبطالها، الذين يتمنى كل واحد منا لو كان مكانهم، ضاربين أروع المثل في التضحية والفداء من أجل الوطن، وأداء الواجب، والإيمان الراسخ بقيادتهم، وبجهودها في الذهاب إلى أبعد نقطة خارج حدود الوطن لحماية أمنه واستقراره من الأخطار التي تهدده، مهما كان هذا الخطر بعيداً.. لا يراه قصيرو النظر، الذين يعتقدون أن أمن الوطن واستقراره يبدآن من نقطة العبور إلى حدوده الجغرافية، حيث تختم جوازات السفر، لأن الذين يعتقدون ذلك مخطئون، لا يرون إلا أسفل أقدامهم،.. فانتظار الخطر عند نقطة الحدود الجغرافية خطأ لا ترتكبه إلا القيادات قصيرة النظر، ونظر قيادتنا بعيد يصل إلى أقصى نقطة يلوح عندها خطر يهدد الوطن، لذلك كان قرارها بالمشاركة في التحالف العربي، الذي تقوده المملكة العربية السعودية للقضاء على قوى الشر التي تتربص بالمنطقة، وتهدد أمنها واستقرارها.. فكان هذا القرار عين الصواب، مهما كلف تنفيذه من تضحيات تهون أمام المد الذي كان سيجتاح المنطقة، والإمارات جزء منها، لو نجح الحوثيون وحليفهم المعزول علي عبد الله صالح، ومن يقف وراءهم، في تنفيذ مخططهم، والاستيلاء على اليمن لتحويله إلى بؤرة لزعزعة أمن الخليج واستقراره، وتصدير التوتر والعنف إلى دولنا الآمنة المستقرة. اليمن ليس بلداً بعيداً لا شأن لنا بما يحدث على أرضه، كما يتصور البعض ويحاولون أن يصوروا المشهد، حتى لو بدا اليمن بعيداً عنا جغرافياً، وهو ليس ببعيد لأنه يمثل حدودنا الخلفية، وتأمين الحدود الخلفية للوطن هو أول خطوة لتأمين حدودنا كلها، وحمايتها من أي اعتداء يمكن أن تتعرض له. واليمن هو خاصرة الجزيرة العربية، والضرب في الخاصرة موجع ومؤثر بمقياس الأمن العسكري، الذي يعرف قادة الإمارات جيداً قواعده ويحفظونها عن ظهر قلب.. لذلك فإن ما تقوم به دولة الإمارات من تحرك على الأرض يدخل في صلب الأهمية الحيوية للحفاظ على أمنها القومي، ويأتي في نطاق الالتزام الكامل بالأهداف التي وضعتها قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، التي تقود عملية إعادة الأمل لليمن الشقيق، حتى إحراز النصر الكامل، وتحقيق الأهداف الموضوعة لهذه العملية. استشهاد هذا العدد من جنود الإمارات البواسل في عملية إعادة الأمل لليمن لن يثبط من عزيمتنا، ولن يزيدنا إلا إصراراً وتصميماً على إكمال المهمة، التي ذهب أبناؤنا لأدائها في اليمن الشقيق، وإذا كان الذين استهدفوا أبناء الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي في مأرب يوم الجمعة الماضي يعتقدون أن عملهم هذا سيثني جنود الإمارات عن استكمال مهمتهم في تحرير مأرب من قوى الشر فهم واهمون.. لأن هذه العملية الجبانة لن تزيد قواتنا المسلحة إلا عزماً وتصميماً على متابعة مهمتها، واستكمال تحرير مأرب وأرض اليمن كلها من هذه القوى التي تريد بها شراً، وتخطط لما هو أبعد من الاستيلاء على اليمن، لتمد أذرعها إلى دول المنطقة كلها، بهدف زعزعة استقرارها، والعبث بأمنها، خدمة لمن يقف خلفها، ويمدها بالمال والسلاح، لتحقيق الحلم الإمبراطوري، الذي يسعى إلى فرضه واقعاً على الأرض، وهو حلم بعيد المنال، سوف تحبطه دول التحالف، وتبقيه في خانة الحلم الذي لن يتحقق أبداً. لقد كان يوم الجمعة، رغم الغيمة السوداء، التي غطت سماءه، يوماً وطنياً بامتياز، وكان أجمل ما فيه الروح الوطنية العالية، التي تجلت في أسر الشهداء منذ توارد الأخبار عن شهداء الإمارات، الذين امتدت إليهم يد الشر في اليمن، إذ بادر بعضهم إلى رفع علم الدولة فوق بيوتهم، في رمزية تلخص الموقف كله، وتبعث رسالة إلى الجميع، تقول، إن أبناء الإمارات صف واحد، وروح واحدة، وموقف واحد. وبيت متوحد، لا يفت من عضدهم، ولا يثبط من عزمهم، ولا يشق صفهم حادث مهما كان حجمه، حتى لو كان فقد كوكبة من أبنائهم، فالذين استشهدوا ليسوا أمواتاً، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بنص الآية الكريمة التي نزلت من فوق سبع سماوات، لتبين مكانة الشهيد عند ربه، وبين البشر كافة. لم يكن صدفة أن تستشهد في اليمن هذه الكوكبة من أبناء الإمارات، في الوقت الذي كانت تصل فيه إلى ذروتها حملة عونك يا يمن، التي انطلقت منذ أسبوع، بتوجيهات سامية من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لدعم الأوضاع الإنسانية في اليمن، ومد يد العون للأشقاء اليمنيين، الذين تأثرت أوضاعهم نتيجة الأزمة، التي أدخلهم فيها الحوثيون وحلفاؤهم، للتخفيف من معاناتهم، ومساعدتهم على تجاوز الظروف التي يمرون بها، فهكذا هم أبناء زايد الخير، يد تدافع عن الحق، ويد تصلح ما أفسدته قوى الشر. رحم الله شهداءنا الأبرار، وحمى الإمارات وقيادتها وشعبها من كل سوء ومكروه.