×
محافظة حائل

جديد التطبيقات

صورة الخبر

تصدر الخبر غالبية نشرات الأخبار في القنوات الغربية والشرقية، ما تحالف منها في العراق وسورية ضد نظام الأسد، وما تآلف منها هناك لإسقاطه، وما وقف على الحياد في محاولة لإمساك عصا الشرق الأوسط الجديد من المنتصف على رغم أن العام المنصرم كان عام انكسار الحلول الوسط وبزوغ التوجهات الجذرية وانكشاف الوجوه المخفية وذلك على الشاشات غير العربية التي يتابعها العرب. قبل أيام تداولت شاشات الهند والسند، والغرب والشرق خبر تعميم صادر عن «ديوان الحسبة» في «الدولة الإسلامية» في الرقة يقضي بمنع بث القنوات الأجنبية التي تدين أعمال التنظيم وتنعته بالتطرف. جاء فيه: «تقرر منع أو تداول أو ترويج أو استعمال أو إصلاح أجهزة الاستقبال الفضائي (الدش) في كامل أراضي الدولة الإسلامية صيانة بأبنائنا وبناتنا، وحفاظاً على دين الناس من الإفساد». تعميم «داعش» بعضهم تناول التعميم من وجهة نظر خبرية بحتة، وبعضهم الآخر تناوله بالتحليل حيث «داعش» وأنشطتها السابقة، وفريق ثالث مال إلى السخرية، لا سيما مع إدراج منع سابق أصدره التنظيم يمنع فيه مقاتليه من ارتداء الملابس الرياضية ماركة «نايك» الأميركية الشهيرة. وبعيداً من نوعية التناول غير العربي على الشاشات للخبر، فإن الخبر الذي ظل متصدراً قنوات على مدار اليوم، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن عام 2015 شهد انصهار أخبار الغرب والشرق الأوسط على الشاشات غير العربية في بوتقة واحدة. فبعد عقود كانت التقسيمة الكلاسيكية فيها هي تقسيم الأخبار إلى: محلية (بحسب الدولة) وأميركية وأوروبية وآسيوية وأفريقية وشرق أوسطية، فرض الشرق الأوسط نفسه ليكون جزءاً لا يتجزأ من الأخبار الأميركية والأوروبية وأحياناً الأفريقية (وذلك بحسب أنشطة جماعات مثل «بوكو حرام»). وحتى في الأيام التي تهدأ فيها «بوكو حرام» وقريناتها ولا تنشط تحركات التفجير والتفخيخ والذبح والقتل فإن الشرق الأوسط الجديد حفر لنفسه موقعاً راسخاً على كل الشاشات، لا سيما شاشات القوى العظمى وتلك المتناحرة في ما يشبه الحرب الباردة المكتومة حيناً والمتفجرة أحياناً. وبعدما كانت التناحرات السياسية والتلسينات العسكرية سمة مقصورة على شاشات عربية دوناً عن غيرها، انخرطت الشاشات الأجنبية في حروب مشابهة ومواجهات متقاربة، وإن ظلت متمسكة بتلابيب الموضوعية والمهنية ولو على سبيل المظهرية في مجاهراتها تلك. الانفصال السياسي والاستراتيجي والتكتيكي الواضح بين روسيا ومن معها وأميركا ومن يدعمها (أو تدعمه) في شأن الملف السوري أزال كل الأقنعة وأسقط كل السواتر. عملية المكاشفة تلك تدور رحاها على مدار اليوم على شاشات عدة، حيث تغطيات إخبارية وجهود تحليلية يصب كلها في مصالح كل دولة على حدة. فما كان بالأمس «جماعة متشددة» أو «تنظيماً متطرفاً» تحول اليوم إلى «داعش» الذي تهدد القاصي والداني، ويضع الدولة التي تبث منها الشاشات المعنية في حيز الخطر. في الوقت ذاته، فإن منبت وأصل التنظيم بات تهمة تلصق بأعداء الشاشة المعنية، أو بمعنى آخر الدولة المعنية. وسيسجل التاريخ أن العام 2015 شهد نقلة غير مسبوقة في توجيه الاتهامات على الهواء مباشرة بين الدول غير العربية، وهي الاتهامات التلفزيونية التي ظن بعضهم أنها حكر على العرب وحكوماتهم وأنظمتهم التي يتم تصدير جانب منها إلى الشاشات بهدف الحشد والتجييش، وربما التهييج والتسخين. وليس أدل على ذلك من أحد المتحدثين باسم وزارة الدفاع الروسية الذي أشار قبل أيام إلى «غش» تلفزيوني ترتكبه قنوات غربية تستخدم مشاهد للقوات الروسية التي تقصف معاقل «داعش» وكأنها قوات التحالف الغربي! ويضيف المتحدث فاضحاً القنوات التي تقدم على ذلك: «لم نسمع عن جولات صحافية تنظمها قوات التحالف للصحافيين والمصورين حتى يحصلوا على مثل هذه المقاطع». وعلى رغم أن الجماعات الدينية المتناحرة تعصف بالشرق الأوسط منذ سنوات، إلا أن تناول هذه القنوات لما يجري في المنطقة الأكثر سخوناً وتناقضاً وتناحراً في العالم ظل تناولاً يلفه الحياد البارد والمهنية التي تجعل من الجماعة الإرهابية «فصيلاً سياسياً» أو «تنظيماً متشدداً» أو «مجموعة أصولية». لكن ما أن ذاقت فرنسا نقطة من طعم أعمال «الفصيل السياسي المتشدد» حتى تخلت عن الحياد القاتل والمهنية المقيتة. فبين ليلة وضحاها تحول التنظيم المتشدد إلى إرهاب لا ريب فيه. هذا التحول أعاد ترتيب نشرات الأخبار وزوايا التحليل، لا سيما على القنوات الفرنسية والتي باتت قريبة إلى حد ما من القنوات الروسية في التناول الإخباري للمنطقة. لكن الظلال الوخيمة القادمة من المنطقة والتي سيطرت على أثير القنوات الأجنبية كانت كثيرة خلال العام ولم تقتصر على «داعش» وارتدادات الربيع العربي. فالأعراض الجانبية لكليهما فرضت نفسها في شكل واضح، وليس هناك أدل على اللجوء واللاجئين فقد كان كذلك عام اللجوء من دون منازع. فمن مقاطع ضمن تقارير مصورة تذيل هذه النشرة أو تزين تلك البرامج الحوارية حيث خيام اللاجئين السوريين في تركيا أو لبنان أو الأردن، مع ضوء خاص في أثناء زيارة هذه الفنانة مرهفة الحس أو تلك الإنسانة رقيقة المشاعر وهي تحمل طفلاً سورياً هنا أو تدعم أماً سورية هناك. لكن المشاهد انقلبت رأساً على عقب، وسيطر اللاجئون على الأثير على مدى أسابيع طويلة. لم تعد مادة فيلمية لسفيرة نوايا حسنة أو إعلامية لفنانة جميلة، بل أصبحت كارثة تدق على أبواب أوروبا. فما أن فتحت تركيا صنبور اللاجئين فجأة ليركبوا المراكب ويدقوا أبواب أوروبا حتى أصبح اللاجئ السوري هو بطل الشاشات الأجنبية (على رغم أن نسبة غير قليلة من اللاجئين ليسوا سوريين). فقد أصبحت المشكلة أوروبية، وتهدد بأن تدق الأبواب عبر الأطلسي. وبين مناقشة سياسات اللجوء، وعرض موازنات الدول، والتعرض لمشكلة الحدود، والتلويح بإلغاء «شينغن»، والجدل حول علاقة اللاجئين بالإرهاب، تحولت الشاشات الأجنبية من اللاجئين «مشكلتهم» إلى اللاجئين «مشكلتنا». مشكلتنا التي أصبحت مشكلتهم أكدت أن العالم بالفعل تحول إلى قرية صغيرة. صحيح أن جانباً من سكان القرية لهم السطوة والسلطة على بقية السكان الذين لا حول لهم أو قوة، إلا أن الشاشات لم تعد في حاجة إلى تمويه الغايات. فمع اشتعال المناظرات الرئاسية الأميركية المتلفزة، وتغير النبرات الأوروبية الغربية المدافعة عن «الفصيل السياسي» الذي أصبح إرهابياً، ورياح الربيع التي وعدت بالديموقراطية فإذ بها تتحول إما ديكتاتورية وإما فوضوية وإما عشوائية وإما كلها، وانقشاع الحاجة إلى تمويه المصالح وتجميل المآرب تودع الشاشات الغربية العام 2015 بمقدار أكبر من الصدق والشفافية. القنوات الروسية تجاهر بازدواج المعايير الأميركية ومصالحها الواضحة في سورية، والقنوات الأميركية – رغم اختلاف توجهاتها- تتفق تماماً على خطورة الأوضاع العربية وضرورة مواجهتها أميركياً وإن تراوحت درجات قبول التدخل العسكري من التدخل الجوي الخفيف إلى البري الثقيل. والقنوات البريطانية تسير على النهج الأميركي مع محاولة الحفاظ على الطابع البريطاني المتحفظ. أما القنوات الفرنسية فقد اقتربت من خطوط التماس العربية حيث ميل واضح إلى تسمية الإرهاب إرهاباً والإخفاق إخفاقاً من دون مواربة. إظهار المصالح المواربة على الشاشات الأجنبية في ما يختص بالشرق الأوسط أصبح في أضيق الحدود. فكل منها لم يعد يتوانى عن إظهار المصالح والإفصاح عن الأصدقاء والأعداء في ضوء التحركات على الأرض والطلعات في الجو على أرض وسماء سورية والعراق وما يستجد، وكذلك في رد الفعل تجاه ما يجري تشكيله عربياً من تحالفات أو يعلن عن تأسيسه من جيوش. ومن أطرف ما أنهت به الشاشات عامها كان التقرير الصادر في بريطانيا بعد أشهر من التأجيل والمقدم لمجلس العموم حول جماعة الإخوان المسلمين «مراجعة الإخوان المسلمين». فبينما تناولت نتائجه قنوات أميركية وألمانية باعتبار الجماعة بريئة من الإرهاب وإن كانت أقاويل عن التطرف تحوم حولها، تأرجحت قنوات بريطانية بين نقل نتائج التقرير كما هي مع مراعاة قواعد «ما ينسب إلى» و»المعروف إعلامياً بـ» و»ما يسمى بـ»، اختارت قنوات أخرى الدق على أوتار التحذير من أن الجماعة التي ينسب إليها «فضل» تشكيل أيديولوجيا الغالبية العظمى من الجماعات المتطرفة والمتشددة والإرهابية تنتشر في شكل كبير في بريطانيا ما يعرض البريطانيين لتمدد خطر، إن لم يكن الإرهاب، فالتطرف. أما القنوات الفرنسية فتناولت التقرير بمقدار أكبر من الجرأة والقدرة على المجاهرة بالمخاوف من الفكر المتشدد الذي يسهل انقلابه إلى الإرهاب وتكفير الآخرين وقتلهم تحت راية الدفاع عن الدين. وبالطبع لم تكن القنوات الروسية في حاجة إلى مزيد من التأجيج والتسخين في ما يختص بجماعات الإسلام السياسي، فقد تلقفت التقرير باعتباره دليل إدانة معتبرة إياه «وشهد شاهد من أهلها». العام 2015 كان بحق عاماً كاشفاً على الشاشات غير العربية، على الأقل تلك التي تلقى نسب مشاهدة في العالم العربي. سقطت أقنعة، واتضحت مصالح، وتبدلت مواقع، والأهم أن أخبار الشرق الأوسط صارت أخبار أوروبا والغرب والعكس صحيح.