صدرت الميزانية السنوية، وأخيرا -وبعد مطالبات كثيرة- تم إلغاء أو تخفيض الدعم عن المحروقات البترولية الذي تبعاً لإلغائه أو خفضه ارتفعت رسوم استهلاك الكهرباء والمياه، وستتبعها بقية الأسعار حتى في الغذاء والدواء، والدعم الذي ألغي هو -كما أظن- كان دعما كبيرا، ولا يهم -الآن- أنه جاء بناء على تلك المطالبات الوطنية المحضة!! التي شاركت فيها بمقال أسبوعي -كل خميس- منذ سنوات، وآخر مقال كتبته كان منذ أسبوع تقريبا، لكن يبدو أن أسعار السيد "العظيم" بترول، الذي ندعو الله أن يطيل عمره -كما دعا له الملك عبدالله، رحمه الله- هو الذي فرض هذا الأمر فرضا، مع أنني -مثلاً- عندما كنت أطالب بهذا منذ سنوات طويلة، كان "السيد بترول" في أوج عزه وعظمته، ولو تم الأمر آنذاك وفق شروطي التي أهمها "تعديل نظام الضمان الاجتماعي" وتحويل الفوائض لدعم المحتاجين إليه، وهم أكثر من 70 % من الشعب كما أتوقع، لما شعر أحد بالقرار كشعورهم الآن!! بعض المواطنين الآن، أو قل كثير منهم، تلقوا الميزانية بعجزها، وقرار إلغاء الدعم ورفع أسعار المحروقات والكهرباء والمياه بصورة سلبية، وهذا من حقهم، فالمواطن يعرف أن جيبه هو مقياس رخائه وراحته، وطالما أن -أي سبب- تسبب في زيادة الأسعار الاستهلاكية، دون أن يزيد دخله، فإنه -قطعاً- سيكون غاضبا منه، ومستاء جداً، فإذا كان راتبه أو دخله -مثلاً- 12 ألف ريال شهريا، ويدفع ثلثيه للإيجار، والكهرباء، والماء، والبنزين، والهاتف، والثلث الأخير يوزعه بحرص "وبخل" بين مصاريف الأولاد، والطعام، فماذا سيكون شعوره، والثلثان الأولان من راتبه أصبحا أربعة أثلاث، بمعنى أنه يحتاج أن يستدين أكثر من 6 آلاف شهريا لكي يبقى في ذات المستوى الذي كان فيه قبلاً!! فكيف يكون حال من دخله الشهري 3 آلاف أو 4 آلاف أو أقل أو أكثر، وهم قطاع كبير جداً من المواطنين. إن ما كنت أطالب به، وأطالب به الآن، هو إيقاف الدعم نهائيا عن كل شيء، وصرف المبالغ المتوفرة من إيقاف الدعم للمحتاجين من المواطنين، وهم -كما قلت- أكثر من 70 % -وربما يصلون إلى نسبة أكبر بكثير- حيث إن بلدنا فقير جداً في هذا النوع من الدراسات، وربما لدى مصلحة الإحصاءات العامة الخبر الأكيد والنسب الدقيقة الواضحة!! ولهذا فإن إيقاف الدعم ورفع الأسعار، دون تغيير ورفع مخصصات الضمان الاجتماعي، وشموليتها لمن راتبه أو دخله -مثلاً- 12 ألفا شهريا فأقل بنسب متفاوتة، فأظن أنه سيؤدي إلى نتائج عكسية. أحد الزملاء في أحد قروبات "الواتس" وما أكثرها، كتب في القروب يشيد بإلغاء الدعم، ما نصه: "نعم.. نستهلك رزقنا ورزق أحفادنا، بسبب عدم تخفيض استهلاك الطاقة، والمملكة تستهلك نحو 3 ملايين برميل يوميا نفط، بينما دولة صناعية كتركيا، تستهلك أقل من مليون واحد"، وأردف: "تخفيض استهلاكنا من النفط واجب، وتخفيض أثر ذلك على المواطن الغلبان، مسؤولية الدولة ببرامج أخرى"، والزميل محق لكن أين برنامج تخفيف الأثر السلبي على المواطن الغلبان؟! ولهذا انهالت عليه الردود الغاضبة، فمن قائل هات البرامج البديلة "نقل عام، وخدمات متكاملة، وحقوق محترمة" قبل إلغاء الدعم، إلى قائل "أين خطط الدولة خلال 50 عاما و10 خطط خمسية" إلى ثالث قال: "يعني المواطن هو الذي أهدر رزقه ورزق أحفاده أرحمونا من"....!!"، إلى أخير قال: "لم يضرنا ويضر الوطن، والقيادة إلا المتزلفون والكذبة وأصحاب الأجندات، ولو سلمناها لكنا بخير!!" وهذا الأخير -كما أظن- شخّص الموقف كاملاً، فبلادنا لم تتضرر سابقاً ولن تتضرر مستقبلاً أكثر من تضررها من المتزلفين والمنافقين والكذبة، والوصوليين سواء تحت شعارات أيديولوجية أو مدائح ممجوجة غير مطلوبة، مع تأكيدي على أن الذين أشادوا بقرار إلغاء أو تخفيض الدعم، محقون، لكن عليهم أن يتفهموا عدم تفهم أو غضب البقية الذين سيؤثر رفع الرسوم والغلاء على حياتهم. ولهذا أقول إن قرار إلغاء الدعم رائع وموفق، لكن لا بد أن تتدارك الحكومة الأمر، فتغير مستحقات الضمان الاجتماعي وترفعها إلى الضعف على الأقل، وتضيف لقائمة المستحقين للضمان كل مواطن راتبه أو دخله الشهري 12 ألف ريال فأقل، وهذا مجرد مثال، فأنا أعرف أن من دخله 12 ألفا شهريا لن يتمكن من البقاء في مستواه السابق بعد ارتفاع الرسوم وغلاء الأسعار، فما بالنا بأصحاب الدخل الأقل؟ وهذا ما طلبت في كل المقالات التي كنت أطالب فيها بإلغاء الدعم، ولهذا ومن أجل أن يلقى القرار قبولا شعبيا، وحتى يتحقق العدل الذي تتوخاه وتسعى إليه وتحرص عليه "القيادة"، لا بد مما أشرت إليه أو أي أسلوب يخفف الأثر السلبي للقرار، وأعتقد أن الخزينة قادرة على تحمل مثل هذا الذي أطالب به، حتى لو أفضى إلى توقف بعض مشاريع التنمية فالإنسان أولى وأهم، وهو من سيبني المشاريع، لكن بعد أن يسد حاجته وحاجة أهله، وبيته، وأظن أن الأمر واضح جداً في حساب الأولويات الوطنية، فالإنسان يجب أن يكون أولا، وثانيا وعاشرا!! والملك -حفظه الله- قال -ودائما يقول- "المواطن أولاً".