ذهبت إلى أحد المصارف في دبي لأفتتح حساباً فرعياً من حسابي لابنتي التي كبرت، لأضع لها مصروفاً شهرياً لكي تعتمد على نفسها وتضبط مصاريفها بحسب سعتها. لكن موظف المصرف أخبرني أنني غير مخوَّلة لفتح حساب لابنتي تحت سن الـ١٨، وأن والدها فقط هو الذي يستطيع أن يفعل ذلك، فأخبرته أنني أريد أن أضع نقوداً لابنتي لا أن آخذ منها، فقال «ولو»، لا بد من والدها. إذاً الأم ليست شريكة في الوصاية على أبنائها حتى وهي تعيش مع زوجها في بيت واحد وتربي الأبناء! تذكرت شكاوى النساء التي طالما سمعتها في حالات الطلاق أو الترمل، وعن إرغامهن على أن يكنّ تابعات لأحد الأبناء أو لوالد أو أخ أو خال لينهي لهن حاجاتهن في المحكمة والمستشفى والمطار، وقد تحتاج المرأة إلى ابنها لرفع شكوى إلى قاضٍ أو تستخرج وثيقة رسمية أو تفتح ملفاً في مستشفى. وحتى في دبي احتجت موافقة زوجي لاستخرج رخصة قيادة سيارة، الغريب أنهم يخاطبونني أنا عند دفع المخالفات! المرأة في نظر النظام الفقهي ليست عاقلة ولا راشدة، وليست وصية على نفسها ولا على أبنائها، وعلى رغم هذا فهي تطبب الناس وتدرسهم وتربي أبناءهم وتدقق حساباتهم في المصارف! حسناً، لن أسأل من أين جيء بهذا الفهم، فهذا غير مهم الآن. خرجت من المصرف أضحك من هذا العالم الذي يختلف على كل شيء، لكنه يُجمع على تقييد المرأة من يديها، ثم يقول إنها أسعد امرأة في العالم. حين خرجت من المصرف وجلست أقرأ الصحف، وجدت خبراً غريباً في صحيفة «عكاظ» السعودية يقول: «إن قاضياً حكم بالسجن عامين و200 جلدة على شاب اغتصب طفلة عمرها 14 عاماً، فحملت وأنجبت منه طفلة سفاحاً»، وعلى رغم أن أهل الطفلة كانوا يعتمدون على هذا الشاب في قضاء حاجاتهم، وإيصال ابنتهم للمدرسة، إلا أن القاضي رأى أن وجود الفتاة معه في منزله أثناء ارتكاب الجريمة، وعلم أهلها بخروجها معه، سببان لتخفيفه الحكم، فمن قال للفتاة أن تذهب معه لبيته؟ وهكذا حصل الشاب الذي خان الأمانة وغرر بالطفلة واستدرجها واغتصبها وحملت منه طفلة على حُكم مخفف! هل لاحظتم العدل لدى القضاء؟ فحين تكون الأم بالغة راشدة تكون ناقصة وغير مسؤولة وغير مخوّلة بالوصاية على نفسها وأولادها وتحتاج إلى وصيّ، لكنها تتحمل المسؤولية كاملة والعقوبة، حتى وإن كانت طفلة عمرها 14 عاماً! لا تظنوا أن السبب في هذا الحكم القضائي هو ليونة في القلب وبعد عن الغلظة، فالأمر اختلف تماماً حين وجد القضاء أن شباباً رقصوا عراة في شارع، ثم هربوا فتم القبض عليهم ومعاقبتهم، وصدرت في حقهم أحكام قضائية بالسجن 10 أعوام وألفي جلدة. الرقص عارياً في شارع ليس مثل التغرير بطفلة واغتصابها، وانتهاك حرمة الشارع أكبر عند القاضي من انتهاك حرمة إنسان، والطفلة تستحق ما حلَّ بها لأنها وجدت في المكان برضاها. وهكذا نصل لخلاصة تقول: «إن الأنثى في بعض الأنظمة قاصرة في الحقوق راشدة في العقوبة». balbishr@gmail.com