لا يخلو الحديث السياسي الدائر حاليا من التطرق إلى موضوع رفع أميركا ليدها عن المنطقة، وتفاوضها مع إيران، والبدء في استراتيجية أقل حماسا للشرق الأوسط بعد أن كانت منطقة أساسية لها لإدارة الأزمات، والصفقات. يقول هنري كسينجر في مذكراته إننا كنا نهتم بخيوط المشكلات في الشرق الأوسط لا لحلها وإنما لاستثمارها، كما هو الحال في قضايا من فلسطين إلى الحروب الأخرى، وصولا إلى الثورات التي نشبت وآخرها الأزمة السورية المقلقة. البعض يقول إن علينا الانفتاح على دول عربية كبرى مهمة مثل السودان ومصر إلخ بدلا من تعميق مشكلات دول الخليج حول الاتحاد، أو بدلا من ندب الحظ على تقارب أميركا مع إيران، وهذا ما كتب حوله الدكتور توفيق السيف بمقالته في صحيفة «الاقتصادية». لكن ما الذي جعل قوى مثل إيران، والصين، وروسيا تحل مكان القوة الأميركية في المنطقة؟! حاول ديفيد أغناتيوس بمقالته في «واشنطن بوست» أن يعالج هذه المشكلة، بل وقارن بين أوباما وميخائيل غورباتشوف، الذي أدت إصلاحاته حسنة النية إلى اضمحلال القوة العالمية لبلاده! وأشار الكاتب إلى مقالة والتر راسل والتي عنونها بـ:«انتهاء نهاية التاريخ» في مجلة «ذي أميركان إنترست»، وفيها اعتبر أن محاولات أوباما للتحرر من الالتزامات الرئاسية لجورج دبليو بوش أدت إلى تشجيع ما سماه «القوى المركزية»، المتمثلة في روسيا والصين وإيران. ففي وقت تبدو فيه الولايات المتحدة الأميركية في موقف متقهقر، «يعتقد هؤلاء المنافسون أنهم قد وجدوا طريقة للتحدي وتغيير طريقة عمل السياسات العالمية بصورة جوهرية». هذه هي المشكلة أن القوى المركزية الأخرى نبتت على المساحة التي أفرغتها أميركا في المنطقة، وهذا يحز في نفس الحلفاء كلهم وبخاصة دول الخليج، الأمر الذي سيدفعها لتنشيط التعاون مع فرنسا، تلك التي تحتاجها دول الخليج ثقافيا، وسياسيا، وعسكريا. غير أن المشكلة تكمن في ضعف القيادات الغربية باستثناء أنجيلا ميركل، وعلى حد تعبير السيد ولد أباه فإن الفرنسيين يرون أن ميتران آخر الرؤساء الأقويا، بينما جاك شيراك وفرانسوا هولاند دورهم أكثر من باهت، بينما ساركوزي ينظرون إليه «كمتغطرس وسوقي». أميركا تخلت عن المنطقة، وبهذا نمت القوى المركزية الأخرى، وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى تحالفات جديدة ومتعددة مع قوى لها قيمتها في الشرق الأوسط. عكاظ