سامر علاوي-مسقط تعدّ مدينة نزوى العمانية التي احتفل بها هذا العام عاصمة للثقافة الإسلامية مستودعا للتراث الإنساني، ومثلت مركزا للحكم والعلم ومركز إشعاع حضاري لقرون. فالعمانيون يحبون أن يطلقوا علي نزوى بيضة الإسلام، واختار لها السلطان قابوس بن سعيد اسم مدينة العلم والتراث، واكتسبت الاحتفالات باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية زخما كبيرا، وهو ما جعل مثقفين ومفكرين يدعون لتعميم تجربة التعريف بالتاريخ والثقافة العمانيين لتشمل مدنا عمانية أخرى لا تقل أهمية، وكان لها دور بارز في الجهاد والدعوة والعلم. ويؤكد المؤرخون العمانيون أهمية مدينة نزوى في تشكيل التراث العماني والإنساني من خلال تخريج آلاف العلماء والأئمة والقضاة على مدى عهود طويلة، ويعزز ذلك احتضان جامعتها ستة آلاف مخطوطة. وكما يقول المتخصص في التاريخ العماني سعيد بن عبد الله الصقري فإن نزوى مثلت مركز الحكم والعلم على مدى قرون، بما اشتهرت به حاراتها الضيقة من مجالس للعلم وقلاعها مجالس للحكم. وذكر في حديثه للجزيرة نت أن المدينة مثلت مركز إشعاع حضاري وحضنا للفقهاء من أمثال صاحب كتاب بيان الشرع وصاحب المصنف، وشهدت أول تدوين للفقه على يد التابعي الإمام جابر بن زيد الأزدي الذي ولد عام 12 هجرية، وتنقل بين نزوى والبصرة والمدينة المنورة لتلقي العلم، وروى عن كثير من الصحابة، والتقى السيدة عائشة رضي الله عنها. قلاع ومساجد ويرى محمد بن راشد الريامي -أحد وجهاء عمان وعضو مجلس الشورى السابق- أن موقع نزوى الإستراتيجي على مشارف الجبل الأخضر أكسبها أهمية قصوى جعل الحكام يتخذونها عاصمة لهم. ومن أبرز معالم نزوى قلعتها الشهيرة التي بناها الإمام سلطان بن سيف نحو عام 1660، واعتمد في بنائها على الغنائم التي استولى عليها أئمة دولة اليعاربة من الغزاة البرتغاليين، واستغرق بناؤها قرابة 12 عاما، وفق الصقري. ومن ذلك جامع نزوى الذي عرف بحلقات العلم في شتى علوم المعرفة، وكان بمثابة مؤسسة علمية كبرى مثل الجامعات في العصر الحديث. وتقف مقابر الأئمة والعلماء شاهدا على تاريخ المدينة العلمي والثقافي، بحسب الصقري، الذي أشار إلى أن مؤرخين كثيرين يعتقدون بأن الإسلام دخل مدينة نزوى قبل تحول القبلة من القدس إلى مكة. ويؤكد الدكتور الصقري دور نزوى والعمانيين عموما في الفتوحات والدعوة الإسلامية، مشيرا إلى أن أول تاجر عربي مسلم وصل إلى الصين خرج من نزوى، وهو عبد الرحمن الصغير، بالإضافة إلى جهود العمانيين المعروفة في نشر الإسلام في شرق أفريقيا. الفن الإسلامي على هامش أنشطة عاصمة الثقافة الإسلامية شهد جامع السلطان الأكبر في العاصمة مسقط معرضا للفن الإسلامي يصور مختلف الفنون التي تجسد الحضارة الإسلامية في عمان. ويقول زكي بن محمد الرمحي المشرف على المعرض أن نزوى تمثل نموذجا للفن الإسلامي، ويتجسد في كثير من معالمها مثل المساجد والقلاع والمخطوطات، وهي نموذج للفنون والثقافة العمانيين. ويضيف الرمحي في حديثه للجزيرة نت أن المستوطنات العمانية المتمثلة بالقلاع تشكل جانبا مهما من التراث والفنون بنقوشها وزخارفها وتصاميم مبانيها التي تعد قرى متكاملة قادرة على الصمود والاكتفاء الذاتي، ومن ذلك قلعة نزوى التي أقرتها لجنة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) جزءا من التراث الإنساني. ويسجل التاريخ أن أول إمامة أعلنت في عُمان كانت عام 132 هجرية بعد سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، وتنقلت عاصمتها من مدينة صحار إلى رُستاق، ثم نزوى التي تتميز باحتضان الجبال لها، التي شكلت حماية طبيعية للمدينة. وسيطر الغزو البرتغالي على شواطئ عمان نحو 150 عاما، لكنه عجز عن التقدم داخل البلاد بفضل استبسال دولة اليعاربة التي أسسها الإمام ناصر بن مرشد اليعربي عام 1624، واتخذت من نزوى عاصمة لها.