في تاريخ اليمن القديم تمر علينا أسطورة فأر سد مأرب، تقول الأسطورة: «إنه في عهد الملك عمرو بن عامر، الذي حكم اليمن في القرن الثامن قبل الميلاد، أي قبيل انهيار سد مأرب، رأت كاهنته التي تُدعى «طريفة الخبر» في منامها، أن سحابة غشيت أرضهم، وأرعدت وأبرقت، ثم صعقت فدمرت، ولم تقع على شيء إلا أحرقته، ففزعت «طريفة الخبر» لذلك، وذعرت ذعراً شديداً، وانتبهت وهي تقول: ما رأيت مثل اليوم قد أذهب عني النوم، رأيت غيماً أبرق وأرعد طويلاً، ثم أصعق فما وقع على شيء إلا أحرق فما بعد هذا إلا الغرق». وبعد أن تأكد الملك عمرو بن عامر من نبوءة كاهنته، سارع بالهرب وبيع ممتلكاته واختلاق الأعذار أمام شعبه بقصة طريفة أتمنى من القارئ الكريم المرور عليها. تلك الأسطورة تقص علينا عهدا كان زاهرا بالنعم وغارقا في الهروب والخيانة بدلا من المواجهة، وسقط سد مأرب وهرب من هرب ومات من مات. وعادت تتشكل الممالك في اليمن وهي عديدة، وجميعها حسب ماقرأت انتهت بأطماع سياسية، ولعل ماشد انتباهي معارك الدولة العثمانية الثمانون على أرض اليمن، ومنها عندما أرسل العثمانيون أويس باشا عام 1547م إلى زبيد وكانت المرتفعات الشمالية مستقلة ويحكمها الإمام الزيدي يحيى شرف الدين، وكان الإمام الزيدي قد اختار ابنه علياً ليكون إماماً من بعده، وتجاهل ابنه المطهر بن يحيى شرف الدين لأنه أعرج لا يستطيع المشي باستقامة، فحز ذلك في نفس المطهر بن يحيى شرف الدين وتوجه إلى زبيد وأبدى استعداده لمعاونة أويس باشا للسيطرة على المرتفعات وخيانته لوالده. وبالفعل اقتحمت قوات أويس باشا وأنصار المطهر بن يحيى شرف الدين تعز وتوجهت شمالاً نحو صنعاء وسيطر عليها عام 1547م وأعطى العثمانيون المطهر بن يحيى شرف الدين لقب(بك) واعترفوا به إماماً على عمران وقاعدته، مكرسا نوعا آخر من الهروب والخيانة. وسريعا إلى وقتنا الحاضر نجد أن اليمن قد تورط في 7 حروب منذ ثورته عام 1962م حتى ماقبل عاصفة الحزم منها 6 حروب في صعدة مابين جماعة الحوثي مع الحكومة، تلك الحروب التي قتل بها زعيم الحوثيين، واستمرت بين هدنة تارة وتارة أخرى لاغالب ولامغلوب، ومع بداية الحرب السابعة (عاصفة الحزم) عادت أسطورة فأر مأرب بنفس نهج المطهر بن يحيى شرف الدين ولكن هذه المرة في صعدة وصنعاء، فقد تحالف عبدالملك الحوثي مع المخلوع علي صالح (رئيس الحكومة السابق) ضد الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، للسيطرة على مفاصل الدولة وإسقاط حكومة هادي، لولا تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، التي أبطلت ذاك المخطط الخبيث المدعوم من دول تسعى لبث الفرقة المذهبية، وسطرت مسؤولية سامية وقيادة حازمة. واستمرت الحرب إلى الآن عدة أشهر حققت دول التحالف من خلالها نجاحات لافتة. وقد برزت أحداث تعيد سيناريو المطهر وخيانته لوالده وأخيه، ومع مرور الأيام وتعدد الأحداث لا أستغرب إعادة فصول أخرى بنفس نهج أسطورة فأر مأرب، ولكن هذه المرة من فأر صعدة الذي أرى أنه لن يوقف الحرب إلا بمحاربته بنفس سيناريو المطهر واختراق صفوفه وخيانته من الداخل والله أعلم.