اتفق عدد من المختصين على ضرورة وضع قوانين وعقوبات أكثر ردعا وحزما مقابل تعاون الجهات الحكومية ذات العلاقة لمحاربة التستر التجاري والخروج من آثاره السلبية، معتبرين أنه يمثل خطرا كبيرا وينهش في الاقتصاد المحلي على المديين القريب والبعيد في البلاد. وقالوا إن التستر التجاري يعزز الصعوبات في تحصيل الحكومة المستحقات المالية التي تدخل خزينة الدولة، كونه يدخل ضمن العمليات غير القانونية التي تمارس في الخفاء وتصنع اقتصادا رماديا لا يدخل ضمن الاقتصاد الوطني، وأكدوا أن هناك مسببات كثيرة وراء انتشاره وتعززه وأول المسؤولين عن ذلك هو المواطن، ممن جعلوا جانبا من الاقتصاد السعودي يتحكم به عمالة وافدة همها في نهاية الأمر الكسب المشروع وغير المشروع دون أي اعتبار للاقتصاد الوطني. وحدد المختصون مخاطر التستر التجاري في استنزاف عنصرين أساسيين تنعكس آثارهما على الاقتصاد، وهما رأس المال والعمل، فالتستر يضرب رأس المال وتنتج عنه أرباح تصرف في غير موضعها وتحول للخارج تصل بالمليارات، ومن ناحية العمل يكون الوافد هو مالك المشروع ويسعى إلى توظيف عمالة وافدة مثله، وتكون له آثار سلبية على سوق العمل. في البداية قالت نشوى طاهر رئيسة اللجنة التجارية بغرفة جدة إن التستر التجاري ظاهرة قديمة، مطالبة وزارة الداخلية والتجارة والعمل بزيادة التكاتف لعلاج هذه الظاهرة التي انتشرت خلال الفترة الماضية بين معظم المحلات. وطالبت طاهر باستحداث مخرجات تعليمية تواكب سوق العمل، فهناك مهن حرفية لم تجد الدعم الكافي ولا يتوجه الشباب إليها، منوهة بوجود بعض المخرجات التي تم «الاكتفاء منها» كتدريس مواد التاريخ، وأضافت أن الوساطة في المنازعات التجارية هي الحل البديل والمستحدث عن القضاء والتحكيم، فهو مجال جميل لفض المنازعات بطريقة ودية لكونه «مفقودا» ولابد من إيجاد دور أكبر له. وكشف الدكتور أيمن فاضل عميد كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، فقال: «هناك العديد من الإجراءات التي تم اتخاذها للحد من هذه الظاهرة من قبل الجهات المسؤوله مثل تكوين لجنة له، وتم إنشاء كرسي الأمير مشعل لمعالجة التستر»، وأضاف أن التستر بحاجة إلى علاج كونه أصبح «ظاهرة». وبين فاضل أن علاج المشكلة يبدأ بتوعية المجتمع بأضرار ذلك التستر، فاقتصاد المملكة مفتوح والمصروفات النقدية للخارج بكميات كبيرة، فالاقتصاد «الخفي» الحالي هو من يساهم في الإخفاق والأهم هو توعية الناس بالمشكلة. وقال عضو مجلس إدارة غرفة جدة الدكتور عبدالله بن محفوظ إن من نتائج التستر ارتفاع معدلات البطالة مما يؤثر سلبا على المجتمع، إضافة لزيادة أعباء الإنفاق على المرافق العامة بسبب وجود أعداد كبيرة من المقيمين، كونه وسيلة غير نظامية للمقيمين للتهرب من دفع رسوم تراخيص الاستثمار والاستفادة دون وجه حق من الإعانات والإعفاءات الحكومية. وبين بن محفوظ أنه في حال كون ظاهر الأعمال التي يكتسب منها المواطن أو المقيم أو المستثمر الأجنبي موافقا للأنظمة بصورة شكلية فقط، وباطن هذه الأعمال مخالفا للأنظمة كالتأجير من الباطن بـ«الاسم والسجل التجاري والتراخيص الخاصة» فهذا هو «التستر». وكشف بن محفوظ بقوله: «من الخطأ حصر التستر في مجال الأعمال التجارية وهذا ما درجت عليه وسائل الإعلام المختلفة وكجزء من دورها في التوعية عليها تصحيح هذا المفهوم حيث إن لفظ «التستر التجاري» لم يرد في النظام ولا في لائحته إطلاقا، وما ورد هو «مكافحة التستر» و«التستر» قد يكون في نشاط: «تجاري، مهني، صناعي، اقتصادي، زراعي، أعمال السمسرة والوساطة، الأعمال المصرفية أو البنكية، التعليمية، النقل». وطالب بن محفوظ بضرورة قيام وزارة التجارة بإنشاء نظام يربط بين السجل التجاري مع فروع التأمينات الاجتماعية ووزارة العمل مع مؤسسة النقد كي لا يكون هناك تستر، مشيرا إلى أن هناك الكثير من حالات التستر التي نرى صاحب العمل بها يأخذ مرتبه آخر الشهر دون أن تكون هناك حركة لماله فهذا دور مؤسسة النقد بمراقبة وضعه. وأوضح بن محفوظ أن منتدى جدة يضع حلولا للتستر التجاري وليس لمعاقبة الناس، فالموضوع يسير على مراحل والناس لديها رغبة صادقة في علاج الموضوع قبل البدء بتطبيق النظام، ففي عام 1409هـ تم إصدار نظام للتستر ولكنه لم يفعل إلا عندما أنشئ كرسي علمي للأمير مشعل بن ماجد لمعالجة التستر بالتعاون مع كلية الاقتصاد والإدارة وتمت مناقشة آثاره بمجلس الشورى. وأوضح الدكتور طارق آل إبراهيم أن المجتمع بحاجة إلى وسيط مناسب مدرك وصاحب خبرة لموضوعه الذي سيتوسط لأجله، وبين أن الوساطة موجودة بمجتمعنا ولكنها بحاجة لإيجاد مراكز لتحكيم وإدارة للوساطة والتوفيق والمصلحة أسوة بالعالم القانوني المتقدم، فمهنة بعض الأشخاص الصلح بين الناس ولها أتعابها. وبين أن الوساطة تختلف عن الوساطات الموجودة في بعض الجهات، فالقضايا التجارية للعائلة والعمل والمنازعات لابد للجوء إلى وسيط ذي خبرة بهذا المجال لتقريب وجهات النظر ولإظهار تداعيات هذا الأمر قبل اللجوء إلى القضاء. ويرى آل إبراهيم ضرورة جعل ثقافة حل المنازعات بطرق ودية هي الثقافة السائدة بالمجتمع وليس ثقافة «القضاء» الذي ساد مؤخرا بين الناس وضاع العرف السابق المتداول فيما بينهم. من جهة أخرى كشف مصدر مسؤول في وزارة التجارة والصناعة عن الآثار السيئة لممارسة التستر التجاري، منها الإضرار بالاقتصاد الوطني، والمخاطر الأمنية والاجتماعية، إضافة لما تسببه من منافسة غير مشروعة، مع تفشي زيادة حالات الغش التجاري، ومزاحمة المواطنين في أعمالهم بصورة غير مشروعة، والإسهام في نمو البطالة، يسببها تحويل مليارات الريالات خارج المملكة وحرمان الاقتصاد الوطني، واحتكار الأجانب لبعض الأنشطة التجارية، مع تزايد أعداد العمالة الوافدة مما يؤثر في البنية الديموغرافية للمملكة، وزيادة أعباء الإنفاق على المرافق الخدمية، الصحية، التعليمية بسبب وجود أعداد كبيرة من الأجانب بالمملكة، وتزايد أعداد المخالفين لنظام الإقامة، ومزاولة كثير من الوافدين للتجارة غير المشروعة من خلال تواطؤ المتستر عليه مع بني جلدته». وبين المصدر أهم الأفكار التي وضعتها وزارة التجارة كحلول تحد من التستر التجاري ولاقت فكرة إلزام جميع أصحاب المحلات بالتعامل عن طريق آلات إلكترونية ترتبط مع النظام المحاسبي للمحل وإلزام أصحاب المحلات بفتح حساب في أحد البنوك وإيداع جميع إيرادات المحل ومصروفاته، مما سيسهل على مفتشي وزارة التجارة ووزارة العمل مراجعة الحسابات من خلال المبيعات المرتبطة بالآلة والنظام المحاسبي للمحل والمصاريف، وهذه الخطوة ستساعد الدولة في محاربة غسيل الأموال. كما كشفت آخر إحصائية أعدتها دائرة الاقتصاد والبحوث في شركة «جدوى» للاستثمار استمرار ارتفاع تدفق التحويلات الخارجية من المملكة، حيث بلغت قيمة التحويلات الشخصية من المملكة للدول الخارجية للأشهر السبعة الأولى من هذا العام 86،25 بليون ريال، ما يعادل 23 بليون دولار، مرتفعة عن العام الماضي بنسبة تصل إلى 14.9% عن مستواها في العام الماضي، كان النصيب الأكبر لها إلى باكستان بقيمة بلغت 1.54 بليون ريال.