×
محافظة المنطقة الشرقية

صحيفة الشرق – العدد 1485 – نسخة الدمام

صورة الخبر

وصف نتنياهو اعتراف البرلمان اليوناني بدولة فلسطين بأنه عديم الأهمية ولا فاعلية له، ولو كانت الدولة العبرية منذ وعد بلفور عام 1917 قد ظفرت باعتراف وتزكية برلمانات العالم لها لاختلف المشهد كله، وبالتالي كانت الثقافة السياسية والإيديولوجية التي تتشكل منها مرجعية نتنياهو من طراز آخر. الاستخفاف ببرلمانات العالم وبالتحديد برلمانات أوروبا يصدر عن ذهنية أعلنت القطيعة مع قرارات الشعوب وخياراتها الوطنية والسياسية، لهذا ما كان لنتنياهو أن يقول ما قاله لو أن الاعتراف صدر عن أي وزير خارجية في العالم لأنه سيكون ضمن سياق الثقافة البلفورية، وما يجهله أو يتجاهله نتنياهو هو أن الدولة الفلسطينية لن تخلق شعباً، فهو موجود على أرضه ومتشبث بجمر البقاء، كما أن الأرض لم تهاجر ولم يكن لأشجارها مخيمات، وأقانيم الدولة منذ بداية تشكلها في التاريخ قائمة في فلسطين وهي قبعة أو كوفية وليست الرأس وما فيه من دماغ وعيون وثقافة وطنية وإنسانية. وينطبق على هذا الخطاب الراديكالي الأعمى ما يقال عن الذين لا يريدون الرحمة بالبشر ولا يريدونها أن تأتي من السماء. واستمرار الإنكار لحقيقة فيزيائية بقدر ما هي وجودية وتاريخية هي حقيقة الوجود الفلسطيني هو من إفرازات ثقافة عدوانية مضادة لكل ما هو إنساني ويصنّف على أنه مرض نفسي. إن فائض الاستعلاء والفوقية العرقية الذي يعانيه الراديكاليون والغلاة من قادة الصهيونية بلغ حد الإساءة لبرلمانات في بلدان ديمقراطية، واعتراف اليونان أو السويد أو بريطانيا بالدولة الفلسطينية من خلال ممثليها في البرلمانات هو اعتراف شامل من شعوب هذه البلدان، ويخطئ من يتصور أن هذا المستوى من الاعتراف مجرد طقس سياسي رمزي ومنزوع الفاعلية، لأن من يتصور ذلك يقع وهو آخر من يعلم في الفخ ذاته الذي عبثاً يحاول نتنياهو الإفلات منه. وإذا كان هناك من المؤرخين اليهود الجدد أمثال شلومو ساند وايلان بابييه وآخرين يصدرون كتباً بعناوين مضادة لما يعتقد نتنياهو أنه الأمر الواقع مثل اختراع الشعب اليهودي، فإن أحداً مهما بلغ جهله بالتاريخ والجغرافيا لن يصل إلى حد إصدار كتب مماثلة عن الشعب الفلسطيني فهو بجذوره القومية وعروبته ومجمل تاريخه ومكونات هويته ليس اختراعاً من أحد، لكن هذه الحقائق لا تروق لمن قرر أن يدخل الفيل أو قطيعاً من الفيلة من ثقب إبرة. ولأن الشعوب هي الأبقى فإن اعترافاتها وخياراتها هي الأبقى أيضاً.