عام صعب على سوق الأسهم السعودية توشك على توديعه، ولا يلام كل مستثمر يرى الانحدار المستمر في أسعار النفط وينأى باستثماراته عن شراء الأسهم نظير ارتباط السوق المالية النفسي والمعنوي بالسوق النفطية، و ما يتبعه من ارتباط السوق النفطية بالإيرادات الرئيسية للمملكة وما يمكن أن تخرج به موازنتها للعام الجديد. فإرجاء قرار الشراء لا يعني نفوراً عن سوق الأسهم، وإنما نفور عن مخاطرها بكل ما تحمله من تبعات، خاصة حين يلفها الغموض وتتوالى استجابتها الطردية مع كل التحركات الإيجابية والسلبية لما يحدث من تقلبات في الأسواق العالمية. ومع كل ماذكرت، فإنه لم يحالف مستثمرو الأسهم السعودية التوفيق في قراءة خطاب الملك سلمان قراءة متأنية ليتجاوزوا فيه بالسوق من حذرها المتعلق بما يمكن أن تظهر به ميزانية الدولة التي ستعلن بعد غد الإثنين، فالحذر المبالغ به هو ما اتسمت به تعاملات السوق في اليومين الماضيين، ولو كانت هناك قراءات هادئة ومتأنية وعميقة لما حمله خطاب الملك سلمان السنوي أمام مجلس الشورى من رؤية اقتصادية لتخلصت فوراً من حذرها، ونشطت نشاطاً يوازي ما جاء بالخطاب الملكي من مضامين شاملة. في رأيي الشخصي أن الرؤية الشاملة في الخطاب الملكي كانت واضحة، ومنها الرؤية الاقتصادية، ولن أبالغ إذا ما اعتبرتها مدخلاً لما ستكون عليه ميزانية الدولة للعام الجديد 2016م 1437-1438، فالرؤية الاقتصادية تركز في تأكيداتها على جملة من الأهداف، كاستمرار التنمية واستمرار عجلة التطوير والنماء وأنهما في وتيرة متصاعدة، وأن تداعيات انخفاض أسعار النفط لم تؤثر على استمرار مسيرة البناء وتنفيذ خطط التنمية ومشروعاتها، والتأكيد على أن تعزيز الاحتياطي العام للدولة مكّن المملكة من تجاوز تداعيات انخفاض أسعار النفط. كما أن تلك الرؤية ركزت أيضاً على أن اقتصاد المملكة واصل نموه الحقيقي على الرغم من التقلبات الاقتصادية الدولية وانخفاض أسعار النفط نظراً للسياسات الاقتصادية المتوازنة والحكيمة التي تتبعها الدولة في ضبط الأوضاع المالية العامة، فالخطاب الملكي الكريم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ليس خطاباً يحمل رؤية شاملة لكل المسائل الداخلية والخارجية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليكون وثيقة ومنهاج عمل، وطالما أنه منهاج عمل فإن الميزانية العامة للدولة لن تخرج عن إطار ذلك المنهاج وتلك الوثيقة التاريخية التي تركز على التنمية والبناء والنماء للإنسان السعودي وللوطن بأكمله. الهدف مما ذكرت، هو ما يتعلق بسوق الأسهم السعودية التي تبالغ بحذرها، وتبدي مخاوفاً من الميزانية العامة للدولة نتيجة ما يحمله البعض من تصورات بأنها ستكون ميزانية ذات سياسات تقشفية يُضغَط فيها على النفقات، فالسياسات التقشفية لم تكن أبداً من ضمن السياسات المالية للمملكة وميزانية عام 2015 أكبردليل، ولأن هناك بوناً شاسعاً بين ترشيد الإنفاق وهو ما يعني رفع الكفاءة الانفاقية وتصنيف الأهم والمهم والرصد له ومتابعته، وبين تخفيض النفقات وتقييدها الى الحد الذي لا يخدم التنمية. سوق المال ومستثمروها عليهم التعاطي مع الحقائق الاقتصادية وفق أطرها الصحيحه، والابتعاد عن ما يتناقله البعض من تشاؤم عبر مواقع الانترنت، فالحقائق التي شملها الخطاب الملكي الكريم بما حمله من رؤيه شمولية كان للاقتصاد نصيب منها هي كما قلت أعلاه مدخل اطمئنان لما ستظهر به الميزانية العامة للدولة، ودائماً ثقتنا بحكومتنا الرشيدة أعزها الله ترتفع وتتنامى.