عجيبة هذه الأرض، لأنها استثنائية في كل شيء. في الجمال والفتنة. في الصبر والاحتمال. في الصفح والتسامح. في الفرح والحزن. وحتى: في الحياة والموت. أرض لا تميل إلى العادي والتقليدي والمكرر والمعتاد. يعيش إنسانها بصخب، ويغادرها أيضا بصخب. في الماضي، كان صخب النهايات مبهجا، لكنه في الحاضر اصبح موجعا، لأن النهايات لم تعد بيدها، وأصبحت تداهمها بشكل فج، لكنه استثنائي أيضا. نهايات «الملاريا» التي طبخت دماء أطفالها. نهايات «حمى الوادي المتصدع» التي انقرضت وعادت تتناسل من جديد في أحشاء إنسانها. نهايات الغفلة والنسيان والتهميش. نهايات كثيرة مسجلة حصريا باسمها، لكنها تجاوزتها كطائر الفينيق الذي ينفض الرماد ويطلق جناحيه في فضاء الأمل. لكن هذه المرة جاءتها نهاية مختلفة جدا: الموت احتراقا، وفي المكان الذي يبحث فيه الإنسان عن أمل في الحياة. ألم نقل إنها تصر أن تكون استثنائية دائما؟؟ ها هي تسجل باسمها الآن كارثة جديدة من أندر وأسوأ كوارث المرافق الصحية التي حدثت في العالم، لكنها حتما لم ترد ذلك ولا خطر ببالها، ربما الذين يفهمون استثنائيتها جيدا حرصوا على عدم فقدانها لها، فأكرموها بالبقاء في صدارة الكوارث. **** في أي مشفى، قد يستعجلك الموت بسبب التشخيص الخطأ. الطبيب الخطأ. الجهاز الخطأ، أو أي خطأ آخر، ممكن أو غير ممكن، محتمل أو غير محتمل، لكنه في كل الظروف والاحتمالات له علاقة مباشرة بطبيعة وتفاصيل الخدمة الصحية. هنا يكون الموت معقولا في ظروف كظروفنا (ليس في جازان فقط)، أو مفهوما على الأقل، أو غير مستغرب على أقل الأقل، ولكن أن تموت بغير هذه الأسباب فإنه أمر مثير جدا، ويصبح في منتهى البؤس إذا كان لا علاقة له بمنظومة الصحة، وإنما بمنظومة أخرى أكبر، وأشرس، وأشد لؤما وقسوة. أنا متأكد جدا أن أحدا سيقول عند قراءة هذا الكلام: اجتنبوا جلد الذات. لا تضخموا الأمور، لا تكونوا سوداويين. إنه قضاء وقدر ولن يرده شيء. ونقول لمثل هذا القائل: فلنجلد ذواتنا حتى تفر الدماء من عروقنا وشراييننا ليسيح منها الفاسد ويبقى الطيب الزكي. وليس ثمة تضخيم لأن حياة إنسان واحد لها من القداسة والكرامة ما يستوجب الجهر بأعلى نبرة وأقصى وضوح. وليست أبدا سوداوية عندما ننحاز لحياة كانت ممكنة لكنها اختطفت بموت جماعي عبثي. والقضاء والقدر له أسباب، وليس غيرنا نحن البشر من نعجل بحدوثها بعد إرادة الله ومشيئته. والوطن سيحتقر ويعاتب في يوم ما كل الذين لم يكاشفوه بأخطائه. **** ما حدث في مستشفى جازان كان بالإمكان أن يحدث في أي مستشفى آخر. ولن نكون أبدا موضوعيين ومنصفين إذا اختصرنا خارطة كبيرة في مساحة صغيرة. الخارطة الكبيرة هي خارطة الاستهتار بالإنسان واسترخاص حياته ومعاشه ومماته في ظل وجود الفساد واللامبالاة والاستهتار والإهمال والتقصير. فعندما يتفشى الإهمال فلا غرابة أن يموت المواطن عبثا في الطريق، أو بعد وجبة فاسدة في مطعم، أو في نزهة في البر أو البحر، أو حتى في مستشفى. **** سيجتمع المسؤولون. وسوف يؤكدون على أنه وأنه وأنه وأنه. وسوف ننتظر «أنه» الذي انتظرناه في أكثر من كارثة ولم نشاهده. فهل تكون جازان استثنائية كعادتها وتجعلنا نراه، لو مرة واحدة، وبعدها نموت كيفما كان الموت؟ habutalib@hotmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة