قال سياسي لبناني بارز انه حسناً فعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري عندما أخذ على عاتقه ترحيل بند ملء الشغور في رئاسة الجمهورية عن طاولة الحوار الوطني في اجتماعها الأخير، مع انه البند الأول على جدول أعمالها. حتى أن المشاركين تجنبوا مقاربته ولو من باب رفع العتب ما يدل على توافقهم على تأجيل البحث فيه إلى حين تنضج الظروف التي تسمح بإعادة طرحه. ويفهم من موقف بري الذي لم يلق أي اعتراض من المتحاورين قبل جلوسهم إلى طاولة الحوار، أنه لا يريد أن يحرق المراحل في تناول ملف الاستحقاق قبل نضوجه، لأن مجرد طرحه قد يفسره بعضهم بأنه يهدف إلى تسويق ترشيح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وهذا ما يدفع مؤيدي رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون للرئاسة الأولى إلى الدخول في سجال يمكن أن يؤدي إلى توتر الأجواء. كما أن لتريث بري في طرح الشغور الرئاسي علاقة مباشرة بحليفه «حزب الله» الذي سيجد نفسه محرجاً في تحديد موقفه من حليفيه اللذين يتنافسان على الرئاسة في الوقت الذي يأخذ أمينه العام السيد حسن نصرالله وقته في تدوير الزوايا قبل أن يقول كلمة الفصل التي لن تكون سهلة عليه في اختيار هذا الحليف أو ذاك، خصوصاً أنه تجنب تسليط الضوء على الرئاسة في خطابه في وداع عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية سمير القنطار الذي اغتالته إسرائيل في سورية. كما أن نصرالله، وإن كان وعد بلقاء آخر للحديث عن المواضيع السياسية، فإنه لم يتطرق إلى موقف الحزب من تشكيل تحالف عربي - إسلامي لمواجهة الإرهاب على رغم أن نوابه وقياديي حزبه كانوا انتقدوه. فلماذا أحجم نصرالله عن تناول الملف الرئاسي؟ قالت مصادر بارزة في «8 آذار» لـ «الحياة» إن قيادة «حزب الله» تعقد اجتماعات مفتوحة لتدارس الموقف من ترشح فرنجية في مواجهة عون ولم تخلص حتى الساعة إلى حسم خيارها الرئاسي. وما لم تقله هذه المصادر، كشفته مصادر في «14 آذار» نقلاً عن قيادي في «8 آذار» رأى أن لتروي «حزب الله» في تحديد موقفه سبب أساسي هو أنه لا يستطيع التخلي عن عون طالما يصر على ترشحه ولا يوافق على التنحي لمصلحة فرنجية. وسألت المصادر عن صحة ما يتردد من أن الحزب يواجه خيارين: الأول يقول أن الظروف غير مواتية لانتخاب الرئيس وبالتالي لا بد من الانتظار وهذا ما ينقذه من الإحراج إذا ما خيّر بين عون وفرنجية، وآخر لا يؤيد هذا الرأي ويقترح أن يحسم أمره على أن يأخذ وقته في إقناع واحد من حليفيه بالانسحاب لمصلحة الآخر، خصوصاً أن الكرة الآن أصبحت في مرماه وأن زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري أحسن في إحراجه عندما أيد ترشيح فرنجية أحد أركان «8 آذار». وسألت المصادر نفسها: «كيف سيواجه «حزب الله» هذا الإحراج؟ معتبرة أن لا مفر أمامه من تحديد موقفه وأن مجرد الهروب إلى الأمام سيتسبب بإرباكه الذي سيرتد على «8 آذار». ورأت أن الحريري بمبادرته هذه أعاد خلط الأوراق وأحدث تغييراً في قواعد اللعبة في ظل الانقسام بين القوتين السياسيتين المتنازعتين على الرئاسة. ورأت أن «حزب الله» لا يستطيع أن يخلص إلى حسم موقفه بالوقوف على الحياد حيال حليفيه، لا سيما انه ملزم بتأييد عون، إلا إذا قرر الأخير عزوفه عن الترشح. وقالت إن التأخير في تظهير موقفه سيكون موضع انتقاد دولي وإقليمي من زاوية أنه يعطل انتخاب الرئيس. ولفتت المصادر عينها إلى أن التذرع بوجود اختلاف طبق الأصل داخل «14 آذار» وتحديداً بين زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الداعم لترشح فرنجية وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الرافض لترشحه ليس في محله ولا يمكن «حزب الله» أن يصرفه في مكان. فالاختلاف بين «المستقبل» و «القوات» يمكن أن يؤدي إلى «ربط نزاع» بينهما وهذا لا ينسحب على «حزب الله» الذي لن يكون سهلاً عليه أن يجاريهما في موقفيهما لأن عليه أن يختار بين حليفيه. «القوات» - عون ومع أن حزب «القوات» يلوح بالوقوف إلى جانب عون، كما قال نائبه فادي كرم، فإن «14 آذار» لم تتبلغ من قيادته أي موقف يدعّم وجهة نظر كرم، وإن كانت لا تخفي رفضها لترشح فرنجية ولا تبدي استعداداً للاحتكاك به، على رغم أنه بادر إلى مد اليد لجعجع من موقع الاختلاف. وربما هناك من يقول - بحسب المصادر - إن «القوات» يراهن على موقف يمكن أن يصدر عن «حزب الله» تأييداً لعون اعتقاداً منها أن مثل هذا الموقف سيخفف عنها عناء الإحراج، لا سيما أن بعض نوابها يجزمون بأن الحزب ليس في وارد تأييد فرنجية. لكن، هل يؤدي الاختلاف القائم بين «المستقبل» و «القوات» حول الاستحقاق الرئاسي إلى فرط «14 آذار» التي ما زالت قيادتها تجتمع تحت سقف واحد وإنما بمواقف متعددة. أكدت مصادر في «14 آذار» أن لا مصلحة لأي طرف فيها بالانسلاخ عن الآخر، أولاً لأن الرئاسة ليست محسومة حتى الساعة وبالتالي من السابق لأوانه الإسراع في إنجاز معاملات «الطلاق» بالمعنى السياسي للكلمة استناداً إلى الحكم على النيات ولا شيء آخر. أما ثانياً - كما تقول المصادر - فإن الاختلاف حول الرئاسة ليس نهاية المطاف ولا يجوز أن يشكل ذريعة لفرط «14 آذار» التي ما زالت أمامها مسؤولية مشتركة تقضي بمواجهة مسألتي تشكيل الحكومة الجديدة وقانون الانتخاب بموقف واحد، هذا إذا ما افترضنا أن الرئاسة ستحسم قريباً وأن تبريد الأجواء في خلال عطلة الأعياد لن يؤدي حتماً إلى إعادة الاهتمام فيها إلى «براد» الانتظار. ورأت أيضاً أن جعجع يتطلع في مقاربته الاستحقاق الرئاسي إلى المستقبل، وبالتالي لا يرى مصلحة له في دعمه فرنجية الذي هو جاره في الجغرافيا ومنافسه في السياسة، في إشارة إلى أن الأول من بشري والثاني من زغرتا، وهما على اختلاف مزمن على رغم أنهما رعيا معاً تشكيل لجنة تنسيق مشتركة أوكلت إليها مهمة العمل من أجل خفض منسوب التوتر السياسي والأمني. وفي المقابل، وإن كان جعجع لم يعلن حتى الساعة أي موقف مؤيد لعون، على رغم أن بعض النواب المنتمين إلى «القوات» يلوحون من حين إلى آخر بتأييده من دون صدور أي موقف رسمي يدعم موقفهم، فإنه لن يتردد في تأييد وصول عون إلى الرئاسة إذا ما انحصرت المنافسة بين الأخير وفرنجية حتى لو لم يقترع له. ومع أن الأسباب الكامنة وراء لجوء «القوات» في نهاية المطاف إلى خيار كهذا غير واضحة، فإن هناك من يعتقد بأن رهانها هو على عامل الوقت على رغم أن «إعلان النيات» الجامع بين «القوات» و «التيار الوطني الحر» لم يدعم بمقاربة مشتركة للاستحقاق الرئاسي وقانون الانتخاب. وكان بمثابة خطوة لإنهاء «الحرب الباردة» بينهما وفتح الباب أمام تطبيع العلاقات من الوجهة السياسية والتي تبقى خاضعة لعامل القضاء والقدر. وبكلام آخر، فإن «إعلان النيات» كان بمثابة تأكيد لرغبتهما المشتركة بضرورة التواصل، وجاء في التوقيت متزامناً مع حوار الحريري - عون الذي بقي عالقاً في منتصف الطريق قبل أن يعود تدريجياً إلى المربع الأول لغياب الحد الأدنى من القواسم السياسية المشتركة التي من شأنها أن تدفع في اتجاه تزخيم هذا الحوار، إضافة إلى أن «القوات» لم تكن مرتاحة لقيامه بذريعة أنها فوجئت به واحتاطت مسبقاً برفضها تأييد عون للرئاسة بذريعة أنه سيتموضع في السياسة إلى جانب سورية و «حزب الله» و «إيران». تفعيل الحكومة وعليه، مع اقتراب نهاية العام، لا بد من الإشارة إلى أن حكومة «المصلحة الوطنية» برئاسة تمام سلام ضربت الرقم القياسي في تعطيل جلسات مجلس الوزراء وإن كان الحوار الموسع برعاية بري خطا خطوة على طريق إنقاذ ترحيل النفايات إلى خارج لبنان. ولم يعرف حتى الساعة، ما إذا كان الأسبوع الأخير من العام الحالي الذي مهد للحكومة الطريق للتخلص من أزمة النفايات سينسحب إيجاباً على العام الجديد لجهة إعادة الحيوية إلى مجلس الوزراء الذي من دونه لا يمكن تفعيل العمل الحكومي مع أن الشلل الذي أصاب هذه الحكومة لم يوفر أي طرف مشارك فيها، وبات جميع من فيها يشعر بالإحراج أمام الرأي العام الذي يلح عليها بضرورة الاستجابة لحاجات اللبنانيين ومطالبهم. فهل يحمل العام الجديد بوادر انفراج تعيد للحكومة هيبتها أم أنها ستواجه مشكلة قديمة - جديدة سببها إصرار فريق على أن تصدر قراراتها بالتوافق، أي بإجماع الوزراء ومطالبة آخر بالعودة إلى الدستور لدى اتخاذ أي قرار؟ وقد يكون المفتاح الوحيد لإخراج الحكومة من المراوحة التي انعكست عدم إنتاجية، يكمن في وضع انتخاب الرئيس، أولوية لأن انتخابه يعيد انتظام العمل في داخل المؤسسات الدستورية ويكبح جماح من يذهب بعيداً في الاجتهاد لتعطيل مجلس الوزراء.