بقدر ما عرفت أو قرأت أو سمعت، كانت عقدة الرئاسة في لبنان، مارونية في الشكل، أو في الجوهر، أو في كليهما معا. وفي كل معركة رئاسية صراع دولي أو إقليمي أو كلاهما، مُستتر أو معلن، أو كلاهما. ولبنان الجمالي «قطعة سما» كما كتب مشعل السديري. لكن لبنان الحقيقي قطعة جغرافية، تحدها أميركا وروسيا وفرنسا وإسرائيل وإيران وسوريا. وطوال ربع قرن على الأقل، كانت بيروت مقعد حكم أبو عمار، الذي صرح بذلك مرتين. أما المسؤولون الإيرانيون فكلما زاروا بيروت، مرة في الشهر على الأقل، حرصوا على القول إنهم «على مسافة واحدة من الجميع، ولا يتدخلون في شؤون لبنان الداخلية». وطوال الحرب كانت أميركا تكرر أنها «حريصة على وحدة لبنان وسلامته ووحدة أراضيه»، ثم تستخدم الفيتو ضد انسحاب إسرائيل. ومعركة الرئاسة مثل معارك النيابة، «بازار». بيع وشراء وحمص موالد. لكن المعركة هذه المرة أطول وأعقد، وعلى قول المتنبي: سألنا وقد مررنا بنجد.. أطويل طريقنا أم يطول. يا سيدي، طويل، وسوف يطول أكثر. ليس من حاجة إلى سبب كي ينشق الموارنة بعضهم على بعض، لكن السبب الإضافي لذيذ مثل حبة الكرز على قالب حلوى. وفي العادة ينشق الخصوم، لكن هذه المرة شقت الرئاسة الحلفاء. ظل ميشال عون يقول إنه مع سليمان فرنجية، وسليمان فرنجية يقول إنه مع ميشال عون، إلى أن أعلن فرنجية ترشّحه. انفخت الدف وتفرق العشاق، وأحرج الراعي الإقليمي والمحلي، ووقع الدوليون في جبّ التفاؤل قبل الأوان. اتصل الرئيس الفرنسي بالنائب فرنجية مهنئًا. مسكينة فرنسا. أقام عون لديها 15 عامًا ولم تستطع أن تفهمه جيدًا. انقبري افهمي. والناس، على بساطتها وطيبة قلبها، تسأل الصحافيين: «شو؟ مين قولك بيجي؟». وأنا أجيب بأنه عندما يصل الآتي سوف نعرف بذلك جميعًا. ومن الآن حتى ذلك الوقت، إذن، وعندما يحين، فليتسلَّ الزملاء وليتسلَّ القراء. موضوع محرز ومثير. أما نهاية العقدة فيعرفها الذي وضعها، أي الفرد هتشكوك. ومن كان يعرف هتشكوك شخصيًا فلا يحاول أن يسأله، لأنه لن يجيب. كل المتعة في التشويق والإثارة. ومن الآن إلى أن يظهر هتشكوك نازلاً من الباص منتفخ الخدين، وتنزل على الستارة بأحرف ضخمة كلمة «The End»، سوف يعيش الجميع على أعصابهم. المرشحون والمعارضون والمؤيدون وصناع الرؤساء من الزملاء الأعزاء. إليكم العبرة في «ملكة جمال الكون»: كولومبيا لدقائق، ثم الفلبين إلى الأبد. عندما يصل، سنعرف جميعًا وتبطل المفاجأة. والتوقّع.